أخبار اليوم - لم يعد مشهد طقوس الخطوبة في الأردن كما كان قبل سنوات. كان الذهب – بريقًا ورمزًا – يحتل مركز المهر، وتتفاخر به العائلات في حفلات الخطوبة، ويُعدّ أحد أهم مظاهر الجاهة والاحتفال. لكنّ الواقع تغيّر اليوم بشكل لافت، إذ لوحظ توجه متزايد بين الشباب والعائلات نحو تقديم المهر نقدًا (كاش)، أو الاكتفاء بالحد الأدنى التقليدي من الذهب، مثل “دبلة وخاتم وحلق”، بدلًا من الأطقم الكاملة التي كانت جزءًا لا يتجزأ من العادات.
هذا التحول ليس تفصيلًا عابرًا، بل يعكس تغيّرًا اقتصاديًا واجتماعيًا يفرض نفسه بقوة. فقد ارتفعت أسعار الذهب خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات قياسية، مع تراجع القدرة الشرائية للأسر، وازدياد الأعباء المعيشية على الشباب المقبلين على الزواج، الأمر الذي جعل الالتزام بالذهب كاملاً عبئًا يفوق قدرة الكثيرين.
ويقول أحد الشباب الذين أتموا خطوبتهم مؤخرًا إنّه لم يعد قادرًا على شراء “طقم ذهب” كما جرت العادة، فتم الاتفاق مع أهل العروس على مهر نقدي يغطي تجهيزاتها الأساسية، معتبرًا أن “الكاش اليوم أنفع للبنت من ذهب قد لا تستخدمه إلا في المناسبات”.
هذا التوجه وجد قبولًا عند كثير من الأهالي، الذين باتوا يدركون حجم الضغوط الاقتصادية التي يعيشها الشباب، ويرون أن التيسير في المهر جزء من تسهيل بناء الأسرة، خصوصًا في ظل الغلاء وارتفاع تكاليف الزواج من صالات وفستان وتجهيز منزل وغيرها.
من جهته، يشير مختصون اجتماعيون إلى أن ارتفاع الأسعار العالمي للذهب، إضافة إلى تغير النظرة نحو المظاهر الاجتماعية، شكّل دافعًا نحو هذا التحول. فالمجتمع الذي كان يعتبر الذهب “حاجة لا تُمس” بدأ يرى أن قيمته الرمزية يمكن تحقيقها بالحد الأدنى، وأن الأهم من الكمية هو الاستقرار الأسري وتخفيف الأعباء عن الشاب.
في المقابل، لا يزال هناك من يتمسكون بالذهب بوصفه حقًا للمرأة وضمانًا لها، ويرون أن الاستغناء عنه أو تقليصه قد يفرّغ المهر من رمزيته، لكن حتى هؤلاء باتوا – في الغالب – يكتفون بكميات أقل بكثير مما كان متعارفًا عليه.
ويشير تجار ذهب إلى انخفاض طلب واضح على الأطقم الكبيرة خلال موسمي الخطوبة والزواج لعامي 2024 و2025، مقابل ارتفاع الطلب على القطع الصغيرة والعملية مثل الخواتم والأساور الخفيفة. كما ازدادت حالات الاتفاق على “مهر نقدي + ذهب رمزي”، وهو نمط لم يكن واسعًا قبل عقدٍ من الزمن.
هذا التحول يثير سؤالًا مهمًا حول مستقبل العادات الاجتماعية المرتبطة بالزواج في الأردن: هل نحن أمام إعادة صياغة جديدة لمعنى المهر؟ وهل سيصبح تقديم “الكاش” بدل الذهب قاعدة اجتماعية جديدة، أم أنها مرحلة مرتبطة بالظروف الاقتصادية الحالية فقط؟
قد يختلف الأردنيون في الإجابة، لكن المؤكد أن روح الزواج تغيّرت، وأن الأولوية اليوم باتت للاستقرار وتخفيف الكلفة، في مجتمع يبحث عن حلول واقعية تتيح للشباب بناء أسرهم دون أن يسقطوا تحت ثقل الديون أو المظاهر.