المدينة الصناعية بالطفيلة…حلمٌ معلّق على أعمدة الوعود.!!

mainThumb
الكاتب الصحفي أحمد سعد الحجاج

20-11-2025 02:07 PM

printIcon

الكاتب الصحفي
أحمد سعد الحجاج


من يتأمل سيرة المدينة الصناعية في الطفيلة يوقن أن الحكاية أكبر من مصنعٍ هنا أو امتيازٍ هناك؛ إنها قصة محافظةٍ ما زالت تؤمن أن العمل هو الكرامة، وأن الاستثمار هو المدخل الأكبر لحياةٍ تستحقها القرى والبلدات وأهل الطفيلة ككل...الذين حملوا الوطن على أكتافهم عقودًا طويلة من الصبر ومع ذلك، فإن هذه المدينة التي كان يفترض أن تكون قلعة تنميةٍ قادرة على إشعال الدورة الاقتصادية في الطفيلة، لا تزال تسير بخطى أبطأ مما ينبغي، وتنهض على هياكل تحتاج إلى روحٍ أعلى، وتخطيطٍ أدق، وتنفيذٍ أشد حزمًا.

لماذا لم تقم المدينة الصناعية في الطفيلة على الصورة التي كان يجب أن تنهض بها؟ سؤال يتردد في أذهان شباب وشابات الطفيلة المتعطلين عن العمل، أولئك الذين كانوا يعقدون الأمل على هذا المشروع ليكون بوابة الرزق وممر المستقبل، لا أن يبقى المسار متعرجًا بين نوايا طيبة وواقع يحتاج قبضة تصويب لا تهادن.

فالمدينة تمتلك ما يجعلها قادرة على المنافسة: مساحة واسعة تصل إلى 500 دونم استثمارات قائمة بنحو 17 مليون دينار، وحوافز حكومية نوعية هي الأقوى في البلاد
من تخفيض سعر الأراضي بنسبة 50% ليصبح خمسة دنانير فقط للمتر المربع، إلى إعفاء الكهرباء لمدة ثلاث سنوات للمشاريع الجديدة أو المتوسعة، ودعم مناولة الحاويات بنسبة 50%، وهو دعم يخفّض كلفة الإنتاج بما يصل إلى ربع التكلفة، فضلًا عمّا يتوقع أن يجذب نحو عشرة مستثمرين خلال عامين ويوفر مئات فرص العمل لأبناء المحافظة. ومع ذلك، ما زال السؤال معلقًا كالغيوم:
أين يكمن الخلل؟

الخلل ياسادة ليس في الفكرة، فالفكرة ناضجة، وليس في الحوافز فهي غير مسبوقة؛ لكنه في تلك الفجوة بين الورق والواقع، بين ما يُعلن وما يُنفّذ، بين البنية التي لا تزال تحتاج استكمالًا، واللوجستيات التي تعاني من قصورٍ واضح، والطرق التي لا تزال تضيق أمام الشاحنات بدل أن تُفسح لها ممرًا يليق بمدينة صناعية تريد أن تنافس مدينة سحاب الصناعية، ومدينة الحسن الصناعية في إربد، و مدينة الحسين بن عبدالله الثاني الصناعية في الكرك.

ومع أن البعد الجغرافي حقيقة ثابتة، إلا أنه ليس عذرًا. فالمدن الصناعية المنافسة لم تتقدم لأنها أقرب فقط، بل لأنها تمتلك منظومة نقلٍ ولوجستياتٍ ومرافق خدمات متكاملة. ولهذا، فإن المطلوب اليوم ليس اجترار الأسباب، بل بناء حلول واقعية تبدأ بشراكة مسؤولة مع مديرية عمل الطفيلة ومديرية الصناعة والتجارة، لتوفير نقل منتظم وملائم للعمال والموظفين ذهابًا وإيابًا، وتحسين جودة الحياة والعمل، ورفع الإنتاجية.

ولا يمكن الحديث عن النهوض دون تأهيل الكوادر البشرية. فجامعة الطفيلة التقنية بما تملكه من مشاغل ومختبرات هندسية، ومؤسسة التدريب المهني بوصفها شريكًا أصيلًا في التنمية، تتحملان جزءًا من المسؤولية الوطنية في التدريب التطبيقي العملي، وسد الفجوة المهارية، وإعداد شباب الطفيلة لتلبية احتياجات المصانع الجديدة عبر برامج قصيرة تستجيب لطلب السوق مباشرة.

وإذا كانت البنية التحتية شريان الصناعة، فإن الطريق المؤدي إلى المدينة الصناعية يحتاج توسعة وتأهيلًا مناسبين، وهنا يبرز الدور المركزي لمديرية أشغال الطفيلة التي يقع على عاتقها تهيئة طريق آمن وسلس يليق بحركة الشاحنات والتوريد، ويمنح المستثمر رسالة ثقة بأن البيئة المحيطة مهيأة للعمل، لا تعرقل الحركة ولا تستهلك الوقت والجهد.

كما يجب أن تكون وزارة الإدارة المحلية وبلدية الطفيلة الكبرى حاضرتين في تطوير محيط المدينة الصناعية، من خلال إنشاء أكشاك ومحال ومقاهٍ وخدمات صغيرة تخدم العمال والموردين والزوار، فهذه المنشآت ليست كمالية؛ بل جزء أصيل من البيئة الاستثمارية التي تعطي المكان روحًا لا تُصنع بالخرسانة وحدها.

وعلى صعيد الخدمات الأساسية، فإن إدارة عقد مياه الطفيلة مطالبة بأن تكون موجودة على خط العمل، تتابع وتؤهل وتضمن جاهزية شبكات المياه والصرف الصحي، فالمصنع لا يعمل إذا تعطلت بنيته التحتية، ولا ينهض إذا تعثرت خدماته الحيوية.

وبما أن التجارة والصناعة لا تستقيمان دون تسهيل حركة البضائع، فإن وجود نقطة أو مكتب للجمارك في المدينة الصناعية أو بقربها يشكل عنصر كفاءة بالغ الأهمية، يختصر زمن التخليص، ويخفض التكلفة، ويرفع تنافسية المستثمر، ويمنح المدينة الصناعية ميزة نوعية تعزز جاذبيتها الإقليمية.

وفي صميم كل هذه المنظومة، تأتي حقيقة لا يجوز تجاوزها: الحكومة معنية مباشرة بملف جلب المستثمرين إلى المدينة الصناعية في الطفيلة، وهي صاحبة الدور الأول في قيادة هذا الجهد، وتهيئة البيئة وتقديم الخدمات، وتسهيل الإجراءات، والترويج الفعال داخليًا وخارجيًا. فالمستثمر لن يأتي من تلقاء نفسه، بل حين يرى حكومة تتحرك، وبيئة تتكامل، ومكانًا يستحق أن يضع فيه أمواله ويثق بأن نجاحه سيجد من يصونه.

لهذا كله، فإن النهضة لا تصنعها جهة واحدة. المطلوب أن تجلس الحكومة والوزارات المعنية، ومديرو الدوائر، ونواب وأعيان ووجهاء الطفيلة، ومجلس المحافظة، وأصحاب الخبرة من أبناء المنطقة، على طاولة واحدة، بروح واحدة، ونية صادقة، لإطلاق رؤية عملية قابلة للتطبيق، تُعيد المدينة الصناعية إلى مسارها الصحيح، وتنقلها من مرحلة الوعود إلى واقع العمل الجاد.

فالطفيلة لم تطلب يومًا ما يفوق طاقتها؛ بل تطلب فقط ما تستحقه: مدينة صناعية تعمل، لا مدينة تنتظر. مشروع يخلق حياة، لا أرقامًا على الورق. فرصة كريمة لأبنائها، لا مجرد عنوان بلا مضمون.

ومتى اجتمعت الإرادة، وتلاقت الجهود، واستقامت الرؤية… ستنهض المدينة الصناعية في الطفيلة من غفوتها، وتصبح كما يأمل أبناؤها: رافعة اقتصادية للجنوب. ومركزًا نابضًا بالعمل، ونقطة ضوء تليق بمحافظة صنعت رجالها من صبر الأرض وكرم الجبل، وستنافس المدن الصناعية بسحاب وإربد والكرك بكل ثقة واقتدار..!!!
بقلم:،