أخبار اليوم - في مشهد يختلط فيه الألم بالأمل، احتشد عشرات من أهالي الأسرى، والأسرى المحررين، ونشطاء حقوق الإنسان، أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر غربي مدينة غزة، حاملين صور أبنائهم ولافتات تطالب بوقف "المجازر الصامتة" داخل السجون الإسرائيلية، والإفراج عن آلاف الأسرى الذين يعيشون أوضاعًا تُنتهك فيها أبسط حقوق الإنسان.
وعند بوابة مقر الصليب الأحمر، ارتفعت لافتات كُتب عليها: "أوقفوا جرائم الإبادة بحق أسرانا"، و"الإهمال الطبي جريمة". في حين كانت أعين المشاركين تراقب المكان بحثًا عن أي بادرة أمل، بينما رفرفت صور قادة الحركة الأسيرة كقناديل ذاكرة لا تنطفئ.
وجع لا ينتهي
تحدثت سهام الخطيب، زوجة الأسير الطبيب رائد مهدي، بصوت مرتجف يحمل ثقل السنوات، قائلة: "نحن نعيش كل دقيقة في ألم لا يمكن وصفه. غياب أزواجنا وأبنائنا ليس غيابًا عاديًا، بل غياب تحيط به العتمة والغموض وانعدام المعلومات. لا نعرف أين هم، ولا كيف يعيشون، ولا ما الذي يواجهونه".
وأضافت: "يمنع الاحتلال عائلات الأسرى من معرفة أماكن احتجاز ذويهم أو تلقي أي معلومة تطمئنهم إلى حياتهم، وحتى عندما نحاول التواصل عبر المحامين نصطدم بجدار الصمت؛ لا مكان، ولا تفصيل، ولا خبر، فقط غياب يأكل قلوبنا يومًا بعد يوم".
وتساءلت بحرقة: "أين العدالة الإنسانية؟ أين المجتمع الدولي؟ أين الأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان؟ وأين دور الصليب الأحمر؟ هل يُعقل أن يبقى هذا الظلم بلا مساءلة؟".
وأشارت إلى أن معاناة العائلات تضاعفت منذ اندلاع الحرب على القطاع، حيث تتحمّل الأسر أعباء التربية والصمود في ظل واقع اقتصادي وإنساني خانق، مردفة: "نحن نعيش حربًا خارج السجن، وأبناؤنا يعيشون حربًا أشد قسوة خلف القضبان… إلى متى؟".
صرخات الأسرى
من جانبه، وصف الأسير المحرر مجدي ياسين فترة اعتقاله بأنها "الأصعب منذ عقود"، وقال: "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح القمع داخل السجون ممنهجًا وقاسيًا بشكل غير مسبوق؛ تضاعفت عمليات التنكيل، وتصاعدت سياسة التجويع، وتواصلت عمليات الحرمان من العلاج، والإهمال الطبي المتعمّد الذي يحصد أرواح الأسرى ببطء".
وأشار ياسين، في كلمة له، إلى أن تشريع الاحتلال مؤخرًا قوانين تتيح قتل الأسرى داخل السجون "يوضح حجم الانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه"، ويكشف "صمتًا دوليًا مخجلًا ومخيفًا".
وأكد أن الوقفة أمام مقر الصليب الأحمر تهدف إلى إيصال صوت الأسرى إلى العالم، والمطالبة بمساءلة الاحتلال على الجرائم المرتكبة خلف الأسوار، مضيفًا: "الأسرى اليوم يمرون بأسوأ مراحل الاعتقال منذ عقود، وما يتعرضون له لا يمكن السكوت عنه".
جرائم ممنهجة
وبحسب بيان نادي الأسير الفلسطيني، فقد ارتفع عدد المعتقلين الفلسطينيين إلى نحو 9 آلاف أسير، بينهم 3700 معتقل إداري بلا تهمة أو محاكمة، و450 طفلًا، و53 أسيرة.
هذه الأرقام، كما يقول ياسين، ليست مجرد إحصاءات، بل "قصص بشر يُقتلعون من حياتهم، ويُتركون فريسة لأقسى الظروف".
وتجمع شهادات الأسرى المحررين والمؤسسات الحقوقية على أن الأسرى يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، العزل الانفرادي، الحرمان من الزيارات، الإهمال الطبي، منع التعليم، والاعتداءات اليومية من قبل السجانين.
وطالب المشاركون الدول الراعية لاتفاقات وقف إطلاق النار بممارسة ضغطٍ جاد على الاحتلال لوقف الجرائم التي يرتكبها داخل السجون، مؤكدين: "أسرانا على شفا الخطر، وبعضهم بين الحياة والموت، والعالم يتفرج".
كما شددوا على أن فعاليات الاحتجاج ستتواصل "حتى يفهم العالم أننا لن نصمت، وأن الأسرى ليسوا أرقامًا في ملف سياسي، بل بشر لهم الحق في الحياة والكرامة".
ويُعد هذا الاعتصام الأسبوعي، الثاني لأهالي الأسرى منذ وقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، ويأتي استكمالًا لمسار نضالي متواصل رغم الألم والدمار.
فوسط الركام، وأصوات القصف التي لم تغب، يصرّ ذوو الأسرى على الحضور أسبوعيًا أمام مقر الصليب الأحمر، حاملين صور أبنائهم ووجعهم، لتأكيد أن قضية الأسرى لن تغيب مهما اشتدت الحرب.
وبات هذا الاعتصام مساحة ثابتة يرفع فيها الأهالي صوتهم طلبًا للحماية والكشف عن مصير أبنائهم، ورسالة واضحة إلى العالم بأن الألم لا يُعطّل الإرادة، وأن الأسرى حاضرون في وجدان شعبهم رغم محاولات العزل والصمت المفروض عليهم خلف القضبان.
فلسطين أون لاين