أبطال الأنفاق في رفح .. صمود يكسر "صورة النصر" التي طاردها الاحتلال

mainThumb
أبطال الأنفاق في رفح.. صمود يكسر "صورة النصر" التي طاردها الاحتلال

02-12-2025 10:40 AM

printIcon

أخبار اليوم - على تخوم رفح المنكوبة، وفي قلب الأرض التي جف فيها الماء وشح فيها الهواء، وقف مقاتلو الأنفاق في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يُصنف من الأقوى في الشرق الأوسط، لكنه فشل في كسر إرادتهم أو انتزاع لحظة استسلام واحدة منهم.

فبين الجوع والحصار والقصف المتواصل، صنع هؤلاء المقاتلون معادلة عسكرية ونفسية أربكت الاحتلال عبر صمود لا ينكسر تحت الأرض، وإرادة لا تُستدرج إلى مشهد إذعان تُريده (إسرائيل) بأي ثمن لعرضه على جمهورها كـ"صورة نصر" مزعومة.

ويشير مراقبون إلى أن الاحتلال لم يكن يسعى إلى حسمٍ ميداني بقدر ما كان يطارد مشهدًا دعائيًا لراياتٍ بيضاء تُرفع من عمق الأنفاق، غير أن مقاتلي رفح – رغم الجوع والحصار – أفشلوا هذا المسعى بصمودهم حتى اللحظات الأخيرة، لتبقى الأنفاق شاهدا على عجز جيشه وساحة رسخت فيها المقاومة حضورها رغم الفارق الهائل في القوة.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قد دعت الأربعاء الماضي، الدول الوسيطة للضغط على الاحتلال للسماح لمقاتليها بالخروج عبر ممر آمن، وقالت في بيان "ندعو الإخوة الوسطاء إلى التحرّك العاجل للضغط على الاحتلال للسماح لأبنائنا بالعودة إلى بيوتهم".

واعتبرت حماس أن ملاحقة جيش الاحتلال للمقاتلين المحاصرين داخل أنفاق رفح "تمثل جريمة وحشية وخرقا فاضحا لاتفاق وقف إطلاق النار"، مؤكدةً أنها "بذلت جهودا كبيرة وقدمت مبادرات لمعالجة القضية، إلا أن قوات الاحتلال نسفتها".

صورة نصر مزعومة

وفي السياق، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن الأزمة القتالية في رفح، في ذروة تصعيدها الأخير، كشفت مقدار التناقض بين ما يقوله الاحتلال وما يجري على الأرض، فالاحتلال الذي يعلن سيطرته على رفح، يتحدث عن منطقة بلا اشتباكات فعلية، ويستعين فيها بميليشيات مسلحة مدعومة منها، ومع ذلك لم يستطع تحقيق هدفه الأساسي من محاصرة مقاتلي المقاومة داخل الأنفاق في ما تسميه "الخط الأصفر".

ويشرح أبو زيد لـ "فلسطين أون لاين"، أن الاحتلال لم يكن مهتمًا بقتل المقاتلين بقدر اهتمامه بتحقيق "المشهدية"، عبر إخراج المقاتلين من الأنفاق رافعين الرايات البيضاء، مسلمين أسلحتهم أمام عدسات الكاميرات، ليقدم ذلك لجمهوره على أنه انتصار طال انتظاره، لكن حسابات الميدان كانت أكثر قوة من هندسة الصورة، فالمقاتلون المحاصرون اختاروا القتال حتى الاستشهاد على الخروج مذلين أو مغادرة قطاع غزة.

ووفق أبو زيد، فإن هذا الموقف يفرض "زاوية إيجابية" رغم الكلفة البشرية؛ فهو يكشف عمق العقيدة القتالية لدى المقاتلين، ويؤكد أن الاحتلال فشل في تحقيق الهدف النفسي الذي سعى إليه وهو "صورة النصر الإعلامي" أمام المجتمع الإسرائيلي وأمام العالم، مشيرًا إلى أن هذه اللحظة، رغم قسوتها، تقدم درسًا عسكريًا راسخًا: المشهد الذي لم يحدث أهم من المشهد الذي يبحث عنه الاحتلال".

ويقول أبو زيد إن هذا السلوك القتالي للمحاصرين يعكس بوضوح "مدى تعمق الأيديولوجيا والعقيدة القتالية لدى هؤلاء المقاتلين"، وهي عقيدة تمتد أثرًا إلى باقي المقاتلين في قطاع غزة، بل وترسم أمام الشارع الغزي والمجتمع العربي صورة مقاتلٍ صلب لا يسمح بكسر رمزيته. ويصف ذلك بأنه جزء من "الأعراف العسكرية" التي تُدرس كأمثلة على صمود الجيوش العقائدية في الحروب الممتدة.

ومع استمرار المعركة في النفق، تتصاعد حرب أخرى لا تقل خطورة "حرب الروايات"، إذ يشير أبو زيد إلى أن الاحتلال يخوض "حربًا معلنة بوسائل غير معلنة"، تعتمد على الإعلام والاستخبارات والمقاطع المزيفة التي تُضخ بكثافة بعد كل وقف لإطلاق النار، لكن هذه الدعاية – التي طالما روجت أن أبناء قيادات المقاومة يعيشون في الفنادق بينما يُترك الشعب وحده – بدأت بالسقوط مع توالي الأحداث.

استشهاد نجل غازي حمد، أحد أبرز قيادات الحركة وعضو وفدها المفاوض، وقبله استشهاد نجل خليل الحية؛ وقبلهم أبناء قيادات أخرى، يضيف أبو زيد أن ذلك "يكشف زيف الرواية الإسرائيلية التي أرادت تأليب الحاضنة الشعبية على المقاومة"، بل إنه يعكس حقيقة أن "القيادات وأبناءها يقاتلون في الصفوف الأمامية"، بدءًا من يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهم.

ويخلص إلى أن هذه الحقائق مجتمعة "تحطم صورة السردية الإعلامية التي يريد الاحتلال الإسرائيلي تكريسها"، وتعيد تعريف معركة رفح بوصفها أكثر من مواجهة عسكرية، فهي معركة على الوعي، وعلى شكل النهاية التي يريد الاحتلال فرضها، لكن المقاومة نجحت حتى الآن في منعها.

فلسطين أون لاين