الصمادي يكتب: الإعلام كما يجب أن يكون

mainThumb

26-02-2023 02:02 PM

printIcon

سمير الصمادي

*ماجستير صحافة و إعلام

تأتي أهمية الإعلام من تأثيره على المواطن وقدرته في تشكيل الرأي العام، وإمكانية أدواته ووسائله في رفع درجة الوعي والمعرفة والثقافة، وتوظيفه للأخبار والمعلومات في خدمة النقد ومراقبة الأداء الوظيفي المؤسسي العام، ويضع الشارع والمواطن في صورة الأحداث وما يدور حوله من نشاطات ومجريات، وهو منبر لتبادل الآراء والأفكار وردود الأفعال، ومن خلاله يمارس المواطن حقه في حريّة التعبير.

خلافًا لما يجب أن يكون عليه الإعلام الأردنيّ نجد أن وسائله وأدواته لم تكن منصةً مفتوحةً للجميع لتناول مختلف الآراء ووجهات النظر ولم تطرح للعلن ما يجب طرحه، ولم تنشر للمتلقي ما هو بحاجةٍ إليه، ولم تقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، فغابت عن أحداثٍ جاريةٍ في المملكة، كانت غايةً في الأهميّة والحساسيّة وكان من المفترض والطبيعيّ أن تقوم تلك الوسائل بتغطيتها ونقلها للمواطن الأردنيّ.

لكن لماذا غابت هذه الوسائل عن تغطية ما هو مهمٌ وضروريُّ للشارع الأردنيّ؟ وهل كان الغياب مبررًا؟ فالإعلام الرسميّ الذي يكتفي بنقل وجهة النظر الحكوميّة ونقل نشاطات الحكومة ومسؤوليها، لا يجد حرجًا في الامتناع والاحتجاب عن تغطية الأخبار العامّة والهامّة، بالركون لحججٍ كثيرةٍ ومتنوعةٍ يتذرع بها، أوّلها وأولاها النواحي والدواعي الأمنيّة، فالنشر والتغطية يخضعان للأجندات السياسيّة والرؤية الأمنيّة الحكوميّة للحدث، ولو تنافى ذلك مع حق الجمهور بالاطّلاع، فترجح كفّة السلطة والسياسة على كفّة المواطن وحقه في المعرفة والمعلومة.

أمّا الإعلام الخاص الذي يخضع لسلطة الشركات الخاصّة ويسعى للربحيّة من خلال إقامة علاقاتٍ شخصيّةٍ، يميل إلى المحسوبيّة ويتغافل عن قضايا الشأن العام، فيكون النشر بما يتناسب مع سياسته الماليّة ويتماشى مع مصالح مالكيه المرتبطة بالحكومة، فالأخبار المتعلقة بالفضائح والمشاهير وتجذب أكبر عددٍ من المشاهدين، تُعد أكثر أهميةً من الأخبار التي تُشير إلى التقصير والتقاعس في الأداء الحكومي.

أحداثٌ مهمةٌ حدثت على الساحة الأردنيّة غابت عنها وسائل الإعلام الرسميّة والخاصّة، وجدها المواطن الأردنيّ على شاشات وصفحات ومواقع وسائل الإعلام الخارجيّة، والتي لا ندري كيف ولماذا تتناول هذه الموضوعات ولا توجهاتها السياسيّة، وهل تتماشى مع المصالح الوطنيّة، كما بحث عنها في مواقع التواصل الاجتماعيّ التي يكثر فيها اللغط والغلط والإشاعات وعدم الدقة والحياديّة والمصداقيّة في النشر، لذلك لم يكن غياب وسائل إعلامنا الرسميّة والخاصّة مُبرّرًا، لأن هذا الغياب أوجد بدائل قد لا تكون في مصلحة الأردنّ وإعلامه.

مع ما سبق ذكره يُطرح السؤال التالي، ما الإعلام الذي نصبو إليه؟ نحن بحاجةٍ ماسّةٍ لإعلامٍ شجاعٍ، جريءٍ لا يخشى قول الحق، يملك القدرة على نشر كل ما هو صائب، ويكون صوتًا لمن لا صوت له، يركّز على الحقائق والوقائع، صادقٌ يقف على الحياد وخالٍ من التحيّز، لا يتأثر بالسياسة والسلطة والمال والمحسوبيّة والمصالح الخاصّة، ولا يخضع لضغوطات الحكومات.

نريد إعلامًا يتصف بالمصداقيّة وينتهج الشفافيّة ويعكس الحقيقة، ويُعلي من شأن النزاهة، لا يخشى طرح الأسئلة الصعبة والحساسة، متحمسٌ لتناول موضوعاتٍ غايةً في الأهميّة والتأثير، ويقوم بتعرية الأخطاء وتصويبها، ويطرح المشكلات ويطرح معها الحلول، ويتناول قيمنا الاجتماعية والثقافية، ويحتفي باختلافنا وتنوعنا، ومتجددٌ يبحث عن كل ما هو جديدٌ في الطرح والتقديم، ليبقى مثيرًا جاذبًا لاهتمام الجمهور والمتابعين.

نريد إعلامًا يسعى لخلق حالةٍ من التفاعل والانخراط بين وسائل الإعلام والجمهور، ومنفتح على الحوار والجديد من الأفكار، وغنيٌ بالمعلومات الدقيقة والصحيحة دون زيادةٍ أو نقصان، يلتزم بالأخلاق الإعلاميّة التي هي جوهر الإعلام وأدواته، موثوقٌ لا يُخرِج الأخبار من مضمونها أو سياقها، ولا يصُدر أحكامًا مسبقة.

نريد إعلامًا حرًّا ومستقلًا يستخدم أدواته بمهنيّةٍ وحياديّةٍ، يبتعد عن التظليل وتهويل وتضخيم الأحداث، يتجنب الافتراءات والاتهامات والشائعات والكذب والتدليس واغتيال الشخصيات والتشهير بهم، وأن يفرّق بين الخبر العام والحقيقة الخاصّة، وأن يُعظّم الإيجابيات والإنجازات ويسلّط الضوء على السلبيات ويوجّه نحو النقد المُباح والبنّاء خدمةً للصالح العام.

بناءً على ما سبق يجب رفع سقف حريّة الإعلام أعلى مما هو عليه، وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة للإعلام خاصةً قانون الحق في الحصول على المعلومة وقانون الجرائم الإلكترونيّة وقانون المطبوعات والنشر، لضمان تدفق حُرّ للمعلومات، وجدّية السعي نحو استقلاليّة الإعلام ومؤسساته، والتأكيد على أخلاقيات العمل الإعلامي باعتبارها جوهره وعاموده الفقري، وأن يعمل في مناخٍ من التعدديّة الفكريّة واحترام الرأي الآخر.

في الختام عند الحديث عن مفاهيم الديمقراطيّة والحريّة والإصلاح السياسي والاقتصادي وإصلاح القطاع العام وتطوير وتغييرالنهج، لا بدِّ من إعطاء الإعلام مزيدًا من الحريّة والاستقلاليّة، فمع ازدياد وسائل الإعلام وتوسع تأثيرها وازدياد فعاليّة دور المواطن فيها، يصبح ضمان الحق في الحصول على المعلومة ضرورة مُلحة، يتزامن ذلك مع وجود إرادة حقيقيّة من الحكومة لمنح هذا القطاع ما يستحقه من تشريعات وحريات بسقوفٍ مناسبة، لتواكب تطلعات المرحلة المقبلة.