أطفال يُسقطهم الجوع في أحضان أمهاتهم

mainThumb
أطفال يُسقطهم الجوع في أحضان أمهاتهم

03-05-2025 10:17 AM

printIcon

أخبار اليوم - منذ أكثر من عام ونصف العام على بدء الحرب، يعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. المجاعة تضرب الأجساد النحيلة، وأطفال يتهاوون أمام أعين ذويهم جوعًا ومرضًا، في حين تستمر آلة الحرب والحصار في خنق الحياة ومنع الغذاء والدواء والماء عن أكثر من مليوني إنسان، نصفهم من الأطفال.

منذ أكتوبر 2023، يخضع القطاع لحصار غير مسبوق، ترافق مع دمار شامل للبنية التحتية الصحية والإنسانية. مراكز الإيواء مكتظة بالنازحين، والمستشفيات بالكاد تعمل، فيما يبحث الأهالي عن حفنة طحين أو عبوة حليب لأطفالهم الذين يتضورون جوعًا.

صرخ مايكل راين، المدير التنفيذي لبرامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، بكلمات لاذعة تعكس عمق الكارثة: "نحن نحطم أجساد أطفال غزة وعقولهم... نحن نجوعهم... نحن متواطئون". وأضاف المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن "الوضع في قطاع غزة كارثي"، مشيرًا إلى أن مليوني إنسان يعانون من الجوع في ظل تقليص حاد للتمويل والمساعدات الدولية.

تقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) كشف عن ارتفاع بنسبة 80% في عدد الأطفال الذين يخضعون للعلاج من سوء التغذية مقارنة بشهر آذار/مارس الماضي. وبيّن أن 92% من الأطفال الرضّع بين 6 أشهر وسنتين لا يحصلون على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية، ما يعرّضهم لمخاطر صحية ونفسية طويلة الأمد.

في مركز إيواء غرب مدينة غزة، جلس محمد أبو طبيخ (40 عامًا) إلى جانب طفلته التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، وجهها شاحب وجسدها هزيل. قال بصوت متهدج: "لم تعد تقوى على الوقوف. أتنقل بها من طبيب لآخر بحثًا عن أي شيء يعيد لها عافيتها". وأضاف: "لا غذاء صحي، وإن وُجد فأسعاره باهظة. لا نستطيع توفير قوت يومنا، فكيف بطفلة تحتاج إلى تغذية خاصة؟".

غالب حسان (35 عامًا) من منطقة الشاطئ الشمالي، رُزق مؤخرًا بطفلة، لكنها دخلت إلى الحياة وسط بحر من العجز. يقول: "لم أستطع توفير الحليب لها. الحصار قضى على كل شيء. حتى المؤسسات الخيرية باتت عاجزة". ويضيف، وهو يقف أمام رفوف فارغة في صيدلية: "طفلتي تبكي ليلًا ونهارًا، ولا حيلة لي سوى الصمت".

أما ياسر الخالدي من حي النصر، فيعيش مأساة مضاعفة مع توأمين بلغا عامًا ونصف. يقول: "لم يعودا يمشيان كما ينبغي. ظهرت عليهما أعراض سوء تغذية واضحة. مشيهما غير متوازن ووجهاهما باهتان. كل جهدي الآن ينصب على البحث عن الحليب أو مكملات غذائية، لكنها غير متوفرة، وإن وُجدت فهي باهظة الثمن". يختم بصوت يختنق بالوجع: "أشعر أنني أخسرهما أمام عيني".

تُظهر البيانات الأخيرة أن 65% من سكان غزة لا يملكون مصدرًا آمنًا لمياه الشرب، فيما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.1 مليون طفل يعانون الجوع يوميًا. أما المستشفيات، فما زالت تعمل بقدرة محدودة لا تكفي لمواجهة هذا الانهيار الصحي.

الناطق باسم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وصف ما يحدث بأنه "جريمة منظمة"، وقال في بيان: "الاحتلال يستخدم سلاح التجويع والتعطيش كأداة حرب ممنهجة لقتل الحياة في غزة". وأضاف أن نحو 65 ألف حالة سوء تغذية حاد سُجلت بين الأطفال، متهمًا الاحتلال بتجاهل قرارات محكمة العدل الدولية التي تلزمه بتوفير الغذاء والماء والرعاية الصحية لسكان القطاع.

في ظل هذا الواقع المفجع، ترتفع أصوات الأطباء والمنظمات الإنسانية مطالبة بتحرك عاجل لفتح المعابر وإدخال المساعدات. لكن حتى الآن، لا تزال هذه الدعوات تصطدم بجدار الصمت والشلل السياسي، فيما تتسع رقعة المجاعة يومًا بعد يوم.

في غزة، لا يموت الأطفال بالقصف فقط، بل بالجوع أيضًا. يموتون بصمت، في حضن أمهاتهم، أمام عدسات الكاميرات، وفي تقارير المنظمات التي توثق ولا تملك سوى التحذير.



المصدر / فلسطين أون لاين