الصحفي الدكتور سهم محمد العبادي
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تعالوا نضحك قليلاً، نضحك كما يبكي الحرّ في حضرة القيد، ونصفق كما يصفق العالم لحريةٍ لا يراها إلا في شعاراته، أما على الأرض.. فلا حرية ولا من يحزنون!
انظروا إلى ما يحدث في غزة، حيث تُذبح الكلمة على مرأى من عدسات "الحياد الغربي"، ويُذبح صاحب الكاميرا ثم يُحمل نعشه وسط تصفيق المؤسسات الدولية التي تقول إنها تحمي الصحفيين! الإعلام الغربي – وبعض العربي أيضاً – لم يخذلنا فقط، بل اصطف علناً خلف الرواية التي ترضي غرف الأخبار المموّلة، وأدار ظهره للحقيقة التي تنزف من عين طفل وأحشاء مدينة.
أما محلياً، فدعونا نحتفل على طريقتنا... حرية الصحافة في بلادي ليست أكثر من "رشة بهارات" فوق طبخة بائتة، لا تُشبع جائعاً، ولا تُقنع ضميراً. قوانين تكبّل، ومحاكم تفتح أبوابها للصحفي قبل أن يفتح فمه، والنية دائماً حاضرة للتوقيف والغرامة، فقط لأنه أشار بإصبعه إلى خلل، أو سأل عن ملفٍ خجول!
ولو علم المواطن الأردني بعدد القوانين التي يمكن أن يُحاكم عليها الصحفي، لما تساءل أصلاً: هل لدينا حرية صحافة؟ نحن نتحدث عن نحو 13 قانوناً يمكن أن يستخدم لمحاكمة الصحفي، وأغرب ما في الأمر أن "قانون المطبوعات والنشر" – الذي وُجد ليحمي المهنة – هو آخر ما يُلجأ إليه! الصحفي يُعامل أمام القضاء كما يُعامل أي شخص عادي، لا فرق إن كان يحمل بطاقة صحفية أم بطاقة صرّاف آلي.
ولا نعلم، إن لم يكن قانون المطبوعات والنشر هو مرجعية التعامل مع الصحفيين، فلماذا وُجد أصلاً؟ للعرض فقط؟ أم لتهدئة ضمير النقابات والمنظمات الدولية؟
زد على ذلك، إخفاء المعلومة عن الصحفي وتسريبها لجهات بعينها، وتحويل بعض المؤسسات الصحفية إلى "أبناء ست" وأخرى إلى "أبناء جارية". لا دعوات إلا لأسماء معينة، لا تصريحات إلا عبر خطوط ساخنة، ولا معلومات إلا تحت الطاولة، ويفرضون عليك أن تكتب من فراغ، وتغني على مقام الصمت!
أما إن حاولت أن تتابع ملفاً أو تفتح قضية، فسيكون الرد صمتاً رسمياً يطن في أذنيك... وإذا تماديت وكتبت؟ فهناك احتمال كبير أن ترى الشمس من خلف القضبان، أو تُرهق في دهاليز المحاكم والغرامات، أو تُعلق صورتك في لائحة "المغضوب عليهم".
الصحفي عندنا مطالب أن يكون قاضياً ومحققاً وجهازاً رقابياً ومخبراً جنائياً في آنٍ واحد، ومع ذلك إن أخطأ... ذُبح، وإن أصاب... خُنق، وإن سكت... حوسب.
ثم تأتي الحكومة لتبارك لنا اليوم العالمي للحرية، ونحن بالكاد نحصل على تصريح صحفي من مسؤول، إلا إن كان "خاله" الصحفي أو "نسيبه" صاحب الجريدة. لا معلومة، لا تعاون، لا إحساس بوجود صحافة من الأساس. فقط خبر رسمي يوزع على الصحف كأنه آية منزّلة، ومن يعارض يُنبذ، ومن يُناقش يُقصى.
في وطني، لا حرية للصحافة إلا في الخطب، أما في الواقع، فهي آخر من يعلم، وآخر من يُستشار، وآخر من يُدعَى لحضور اللقاءات. وفي كل مناسبة رسمية نُقصى، وفي كل حوار جاد نُنسى، وفي كل جلسة نخبوية نُغيب... ثم يقال: أين الإعلام؟
الإعلام موجود، لكنه محارب، مقصوص الجناحين، ممنوع من الطيران، ومطلوب منه أن يُغني للحرية وهو مكبّل اليدين.