أخبار اليوم - ساره الرفاعي- زمن يتسم بالسرعة الفائقة وتدفق المعلومات اللحظي، يكثر الجدل حول مستقبل القراءة ودورها في حياة الجيل الجديد. فهل أصبحت القراءة مجرد "موضة قديمة" أم أن شكلها وطريقة تقديمها هي التي شهدت تحولًا جذريًا؟ هذا ما ناقشته دانية سلام في إحدى حلقات برنامجها، مستعرضةً ثلاثة محاور رئيسية تسلط الضوء على هذه القضية الهامة.
المحور الأول: البودكاست بديلًا عن القراءة؟
بات الاستماع إلى البودكاست الثقافي والعلمي، ومشاهدة ملخصات الكتب والفيديوهات التعليمية القصيرة، جزءًا لا يتجزأ من روتين الكثير من الشباب اليوم. هذه الأدوات الجديدة، رغم فائدتها وأهميتها في نشر المعرفة، لا تُعد بديلًا حقيقيًا عن القراءة المتعمقة.
وأوضحت سلام الفارق قائلة: "الفرق مثل الذي يشاهد فيلمًا مقتبسًا عن رواية ويعتقد أنه استوعب كل شيء. البودكاست قد يمنحك فكرة أو لمحة سريعة، لكنه لن يوصلك إلى العمق والتفاصيل التي تُغير نظرتك للقراءة. البودكاست اليوم وسيلة، وليس النهاية." فالقراءة تمنح القارئ فرصة الغوص في الأفكار، والتأمل في التفاصيل، وربط المفاهيم، وهو ما لا يمكن للبودكاست أن يقدمه بالقدر نفسه.
المحور الثاني: حجة "لا وقت لدي للقراءة"
كثيرون يشتكون من ضيق الوقت وعدم توفره للقراءة، مبررين ذلك بالعمل لساعات طويلة وبقصر اليوم. إلا أن دانية سلام طرحت تساؤلاً هامًا: هل المشكلة حقًا في الوقت أم في طريقة استخدامه؟
تشير دراسة حديثة إلى أن متوسط القراءة اليومية في العالم العربي يقل عن 6 دقائق للفرد، بينما يبلغ المتوسط العالمي حوالي 30 دقيقة. هذا التباين الكبير يطرح علامات استفهام حول أولويات الأفراد. "لو خصصنا أربع ساعات يوميًا نقضيها على الهاتف، وغالبيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتبين أن الوقت موجود، لكن الأولويات هي التي تغيرت." هذا يؤكد أن المشكلة ليست في نقص الوقت بحد ذاته، بل في كيفية إدارته وتوجيهه نحو الأنشطة ذات القيمة.
المحور الثالث: خلط المفاهيم بين القراءة واستهلاك المعلومات
يُعد هذا المحور من أهم النقاط التي تناولتها سلام، حيث أكدت على الخلط الشائع بين مفهوم القراءة الحقيقية واستهلاك المعلومات السطحية. فمشاهدة منشور أو شريط ملخص على إنستغرام لا يمكن اعتباره قراءة بالمعنى الحقيقي.
القراءة الأصيلة تتطلب تركيزًا عميقًا، وقتًا مخصصًا، وقدرة على ربط الأفكار. هناك فرق شاسع بين من يقرأ رواية كاملة ومن يشاهد اقتباسًا منها على "ريلز". المشكلة ليست في أن الجيل الجديد لا يحب القراءة، بل إن "القراءة لم تعد مغرية لأنها لا تُقدم بشكل مناسب لهذا الجيل."
لذلك، دعت سلام إلى إعادة التفكير في طريقة عرض المحتوى الثقافي، مؤكدة على ضرورة أن تكون الكتب غير مملة، والمكتبات غير صامتة وكئيبة. "قد أحب هذه الأجواء، لكن هذا الجيل لا يحبها. لذا، يجب أن نعيد التفكير في طريقة عرض المحتوى دون التنازل عن قيمته."
الجيل الجديد ليس عدوًا للقراءة
في الختام، أكدت دانية سلام على أن الجيل الجديد ليس عدوًا للقراءة، لكنه يحتاج إلى طرق جديدة وقصص تشبهه، وأدوات توصلهم إلى الكتاب. فوسائل التواصل الاجتماعي ليست نهاية المطاف، وإذا أُحسن استخدامها، يمكن أن تكون بوابات لأول صفحة في عالم القراءة.
فالسؤال الذي يبقى مطروحًا هو: كيف يمكننا أن نجعل القراءة أكثر جاذبية وملاءمة لتطلعات الجيل الجديد، مع الحفاظ على عمقها وقيمتها المعرفية؟