أخبار اليوم - جهدهما لتحويل أدوات الموت إلى وسيلة للحياة. فمن بقايا القنابل الدخانية والنارية، يصنعان مواقد بدائية تساعد سكان القطاع المحاصر على طهو الطعام، مع انعدام الغاز والوقود.
في زاوية مهدّمة من المنزل، يعمل محمد بمطرقة حديدية على تعديل أسطوانة معدنية انتشلها من بين أنقاض المخيم.
هذه الأسطوانة، التي كانت في الأصل قنبلة دخانية أو إنارة ألقاها جيش الاحتلال خلال عدوانه المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، أصبحت اليوم حجر الأساس في موقد نار محلي الصنع.
قنابل دخانية
يقول محمد، وهو خريج تخصص الهندسة الطبية: "القنابل التي أُلقيت على المخيم كانت تُستخدم لإجبار السكان على النزوح. بعضها انفجر، وأخرى تحولت إلى كتل من الحديد، لكننا رأينا فيها فرصة للبقاء."
ومع اشتداد الحصار ومنع إدخال الوقود والغاز منذ بداية الحرب، قرر الشقيقان اللجوء إلى هذا الخيار البديل، مدفوعين بالضرورة وروح الابتكار.
ويشرح محمد آلية صناعة الموقد، قائلًا: "نجمع قطع الحديد من الزوايا المهدمة أو نشتريها من سوق الخردة بأسعار معقولة، ثم نفرّغ القنابل الدخانية من الداخل، ونثقبها، ونثبت داخلها شبكة حديدية لتكون غرفة احتراق."
يتم تجميع هذه القطع في شكل هندسي مربع بطول نحو 30 سم، وتُثبَّت بواسطة البراغي. يُركّب أنبوب حديدي صغير يُوصل بالموقد، ويُضخ فيه الهواء عبر مروحة صغيرة أو منفاخ يُغذى ببطارية أو مصدر كهربائي محدود.
ويضيف أبو شنب: "الموقد يستخدم المخلفات البلاستيكية مثل خراطيم المياه المدمّرة وخزانات المياه المحترقة كوقود بديل، في ظل شحّ الحطب وارتفاع أسعاره بشكل كبير. وكلما أضفنا مزيدًا من البلاستيك، زاد اللهب. إنه بسيط لكنه فعّال."
مشروع صغير
بعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي في 19 يناير الماضي، بوساطة مصرية وقطرية وبدعم أمريكي، عاد الشقيقان إلى منزلهما المدمر، واشتريا موقدًا بدائيًا. لكن الاتفاق لم يصمد، إذ انقلبت (إسرائيل) عليه في 18 مارس، فعادت المعاناة من جديد.
غير أن التجربة الأولية كانت كافية لزرع بذور مشروع صغير. ويقول أنس: "بعدما نجح أول موقد صنعناه، بدأ الجيران يطلبون منا مواقد مماثلة، فالناس بحاجة ماسة للطهي، ولا يوجد غاز، والحطب نادر وباهظ الثمن."
أصبح الاخوان يصنعان المواقد للآخرين بأسعار رمزية مقارنة بما يفرضه السوق من أسعار باهظة.
ويتابع أنس: "نحاول أن نبقي السعر في متناول الجميع. لا نهدف إلى الربح، بل إلى تقديم حل في وقت يعاني فيه الجميع."
صديق للبيئة
ورغم أن البلاستيك مصدر معروف للتلوث، يؤكد الشقيقان أن المواقد مصممة بعناية لتقليل الدخان إلى أدنى حد. ويقول محمد: "الدخان الناتج محدود جدًا، واحتراق البلاستيك يتم بشكل سريع ومباشر مع تدفّق الهواء."
ويُبيّن أن صناعة الموقد الواحد تستغرق ما بين 7 ساعات إلى يوم كامل، حسب توفر المواد الخام. الأمر مرهق لكنه يستحق.
وقطاع غزة، المحاصر منذ أكثر من 17 عامًا، اعتاد أهله على إيجاد حلول إبداعية للنجاة. ففي ظل انقطاع الوقود، لجأ السكان لاستخدام بدائل كالحطب، والفحم، وحتى الكرتون. أما الآن، فالقنابل التي كانت تهدف إلى إخافتهم، أصبحت وسيلة لصناعة الدفء.
ويختم محمد حديثه قائلًا: "ما نفعله ليس فقط محاولة للبقاء، بل هو رسالة: لن نُهزم رغم الحصار، وسنحوّل أدوات الدمار إلى حياة بأيدينا."
المصدر / فلسطين أون لاين