بترت الحرب ساقه .. الشاب "الغفري" يسير على العجز والألم

mainThumb
بترت الحرب ساقه.. الشاب "الغفري" يسير على العجز والألم

19-06-2025 12:17 PM

printIcon

أخبار اليوم - في غزة، تمتد تفاصيل حرب الإبادة في جسد الجرحى وذاكرة العائلات. الشاب جمال الغفري (19 عامًا)، يواجه مع عائلته أقسى ظروف ومعاني الحرب ولا سيما أن حربًا سابقة قد جارت عليهم.

في 30 مارس 2024، خرج جمال في مشوار اعتيادي لتلبية حاجة لوالده المقعد، في ذروة المجاعة التي اجتاحت القطاع خلال شهر رمضان. والده، الذي فقد ساقيه في عدوان عام 2014، لم يكن يعرف أن ابنه الذي اعتمد عليه طيلة السنوات الماضية، سيعود إليه هذه المرة على كرسي متحرك... بجانبه لا أمامه.

"كان سندي في كل شيء، لم يخذلني يومًا"، يقول والده بصوت متحشرج، في حين تتابع والدته الحكاية بنبرة حزينة: "كان بكرنا سندنا والكتف اليمين لأبوه، كنا نشوف فيه زهرة شبابنا، لكن الحرب سرقت منا ومنه كل شيء، حتى ساقه اليمين".

فجمال، العاشق لكرة القدم والسباحة كان يحوز المراتب الأولى في الأندية الرياضية التي يشارك فيها. في ذلك اليوم سلك طريقًا التفافيًا بعيدًا عن مناطق القصف، لكنه فوجئ بانفجار صاروخ من طائرة F16 بجواره. يقول جمال: "الصاروخ الأول لم ينفجر، لكنه جمد الدم في عروقي، وما لبث أن باغتني الثاني ليدفنني تحت الركام".

"فقدت الوعي، ولما صحيت، شفت رجلي مبتورة، بجنبي… مسكتها وأعدتها مكانها، ما كنت مستوعب.. وجهي مشوه، أسناني مكسّرة، وحسيت الدنيا كلها سودة"، يروي جمال وهو يغالب دموعه.

ثم عاد ليفقد وعيه مرة أخرى، وعندما استيقظ حاول أن يلفت انتباه المارة، فانتبهت فتاة لحركة يده وهو يلوح بها فصرخت طلبًا المساعدة.

لم يعرف ما حدث بعدها إلا وهو يرقد في مستشفى الأهلي العربي المعمداني بغزة، حيث بدأت رحلة الألم الحقيقي: عمليات جراحية دون مخدر، تغيير يومي للشاش الطبي دون مسكن، ونزيف نفسي مستمر.

"كان يصرخ حتى يغيب عن الوعي، وأنا أجري من مكان لمكان أبحث له عن وحدة دم تتناسب مع فصيلة دمه، أو مسكن يريحه قليل، ويخفف من وجعه"، تقول والدته.

يعيش جمال اليوم حبيس كرسي متحرك، بعدما بات يفتقد حتى العكاز الصالح للمشي، إذ أصبح القديم منه مهترئًا وأوقعه مرات عدة. يقول: "كل ما أطلع أو أنزل الدرج بتحسر على حالي… كنت ألعب، أركض، أساعد والدي… اليوم صرت عاجز".

لا تقف معاناته عند حدود احتياجاته التي يمكن أن تساعده في التأقلم على وضعه بعد الإصابة، بل أيضًا المواصلات عند ذهابه وايابه للعلاج الطبيعي، بات يعتمد على عكازيه.

كما أن فقر الغذاء فاقم حالته، فاعتمد على الفيتامينات كتعويض، لكن شيئًا لم يسد العجز الكبير في جسده الشاب. ومع مرور الأيام، لم يتأقلم جمال مع ساقه المبتورة.

وتتحدث والدته بمرارة: "ابني في عزّ شبابه، ما لحِق يتهنّى بحياته، والده كان يراقبه ويقول: هو سندي، هو الّي حيشيل عني. واليوم؟ ابني بجانبه على كرسي".

لم يتوقف جمال عن المحاولة، لكنه بات حبيس جرح مفتوح، نفسياً قبل أن يكون جسدياً. أصعب اللحظات عليه، كما تقول والدته، ليست وقت تغيير الشاش، ولا حتى في الألم الذي يعانيه يوميًا، بل عندما ينظر إلى قدمه المبتورة ويتساءل: عن حاله ومستقبله؟

يشعر أنه كُسر مرتين.. مرة بصاروخ غادر، ومرة حين رأى والده لا يقوى على مساعدته، ولا هو قادر على إكمال طريقه وحيدًا.

لا ينسى جمال نظرات والده إليه بعد إصابته، وقد تبدّلت من فخر إلى وجع: "كان يراقبني وأنا أكبر قدامه، يحكي: هاد سندي. واليوم؟ أنا قاعد جنبه مش قادر أحمل حالي".

رغم كل شيء، لا يزال في عيني جمال بريق يتشبث بالحياة. لكنه يحتاج إلى طرف صناعي، وإعادة تأهيل، ودعم نفسي حقيقي، ليعيد لنفسه ما سلبته حرب الإبادة.

المصدر / فلسطين أون لاين