أخبار اليوم - في مطبخها المتواضع داخل أحد مراكز الإيواء، تقف إيمان أبو شاويش (34 عامًا) تحاول ابتكار وجبة تسد رمق أطفالها الثلاثة. لا طعام متنوعًا في الأفق، لا لحوم ولا دجاج، لا ألبان ولا فواكه. وبينما تحرّك ملعقة خشبية في قدر صغير، تقول: "مهروس الخضار المخصص للأطفال صار غدانا كلنا... نخلطه مع أرز أو برغل، ونحاول نطّيب الطعم بزيت أو كمون... المهم الولاد ياكلوا."
مع استمرار الحرب على غزة وانقطاع سلاسل الإمداد وغياب المواد الأساسية من الأسواق، لجأت نساء كثيرات في القطاع إلى استخدام المكملات الغذائية المخصصة للأطفال كمصدر غذائي رئيسي في الطبخ اليومي. عبوات مهروس الدجاج، ومهروس الخضار، وزبدة الفول السوداني، باتت تُستخدم لإعداد وجبات لأسر كاملة في ظل انعدام الخيارات الأخرى.
تقول عبير الزعانين نازحة من شمال غزة: "الفواكه اختفت، الخضار غالية، كيلو السكر بـ300 شيقل – يعني تقريبًا 80 دولار – واللحمة والبيض والألبان خلصوا من الدنيا... ما ظل غير مكملات الأطفال، منستعملها بطبخ الشوربة أو منخلطها بالرز."
وتضيف الزعانين لصحيفة "فلسطين" أن استخدام هذه المكملات أصبح الحل الوحيد المؤقت لتوفير حد أدنى من الغذاء للأطفال والكبار على حد سواء.
ابداع وتكيف
وتقول اختصاصية التغذية أمل بهجة إن المكملات الغذائية تُعد مصدرًا حدًّا أدنى لاحتياجات الجسم، مؤكدة أن لجوء نساء غزة إليها في ظل انعدام الخيارات الغذائية يُظهر قدرًا كبيرًا من الإبداع والتكيف مع الواقع القاسي.
وتتابع بهجة لـ"فلسطين": "مع ذلك، يجب التنبه إلى أن بعض هذه المنتجات تحتوي على نسب عالية من السكر والمواد الحافظة، ما قد يضر بالصحة إذا أُفرِط في استخدامها".
وتشير إلى أن زبدة الفول السوداني على وجه الخصوص قد تسبب الحساسية لدى بعض الأطفال، وهي من المسببات الشائعة لمشكلات الجهاز المناعي، ما يستدعي الحذر عند تقديمها للصغار.
وتوضح بهجة أن تنظيف الأسنان مباشرة بعد تناول زبدة الفول السوداني، خاصة الأنواع التجارية، أمر ضروري، نظرًا لاحتوائها على السكر وأحماض أوميغا-6، التي قد تتحول في الجسم إلى حمض الأراكيدونيك، مما يُلحق ضررًا بصحة الأسنان على المدى الطويل.
كما تبيّن أن هذه الأطعمة، بمجرد فتح عبوتها، تُصبح عرضة للتلوث بالبكتيريا والفطريات، لأنها سريعة الفساد في ظل غياب التبريد. وتشدد على أن العبوة المفتوحة يجب أن تُستهلك في نفس اليوم، لأن تجاوز 12 ساعة من دون حفظ ملائم قد يجعلها خطرة على صحة الأطفال.
وتلفت إلى أنه في بعض الحالات الخاصة، مثل إصابة الأطفال بالصفار الكبدي أو التهابات الكبد (A)، أو إصابة الكبار بالفشل الكلوي أو أمراض الكبد، يُنصح بتجنّب الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الدهون والأملاح، لأنها قد تضر بصحة الكبد والكلى. ومع ذلك، ترى أن هذه المكملات، عند استخدامها ضمن نظام غذائي متوازن، يمكن أن تفيد الجميع بدرجات متفاوتة.
أفكار يومية للبقاء
في البيوت ومراكز الإيواء، باتت النساء يستخدمن هذه المكملات في إعداد وجبات يومية مبتكرة: شوربة أرز بالخضار المهروسة، برغل بزبدة الفول السوداني، فطائر محشوة بمهروس الدجاج، أو حتى معجون الفول السوداني مذاب في ماء دافئ كوجبة صباحية.
تقول أم يزن أبو عفش (٣٠) عاما، أم لأربعة أطفال:"ما في لا شوكولا ولا بسكوت ولا سكاكر. فأحاول أخلط المهروس بشي طيب، وأقدمه بشكل حلو... مشان الولاد ما يزهقوا من الطعم."
رغم الفوائد الجزئية لهذه المكملات، إلا أن الاعتماد الكلي عليها لفترات طويلة يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة، خصوصًا للأطفال الذين يحتاجون إلى نظام غذائي متكامل لبناء أجسادهم ومناعتهم. ومع استمرار الأزمة، يبقى لجوء العائلات إلى المكملات الغذائية ليس خيارًا صحيًا بقدر ما هو حيلة من أجل البقاء.
في غزة اليوم، لا تُستخدم مكملات الأطفال لإكمال الغذاء... بل باتت هي الغذاء الوحيد المتاح.
فلسطين أون لاين