أخبار اليوم - في ساعة مبكرة من فجر أول من أمس، كان معتصم معين وزوجته نائمَين بسلام في منزلهما بحي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، لكن هذا الهدوء لم يدم طويلًا؛ فصوت انفجار ضخم مزّق سكون الليل، أعقبه انهيار مفاجئ لسقف منزلهما الجديد الذي تم ترميمه مؤخرًا بعد قصف سابق.
استفاق معتصم مذعورًا، وهو يصرخ بأعلى صوته، بينما زوجته ترتجف إلى جانبه تحت الركام، بعدما ألقت طائرات حربية إسرائيلية بدون طيار من نوع "كواد كابتر" صندوقا متفجرا على سطح منزله، ما أدى إلى انهيار جزئي للسقف وإصابة الزوجين بجروح طفيفة.
"ظننت أن القيامة قامت"، يقول معتصم، لصحيفة "فلسطين" مضيفًا بصوت متقطع: "استيقظت على صوت الانفجار في تمام الساعة الرابعة فجرًا، حاولت سحب نفسي وزوجتي من تحت الركام، لم أكن أصدق أنني ما زلت حيًا".
وسط الأنقاض
استطاع والده وإخوته، الذين يقطنون في الطوابق السفلية من المنزل المكوَّن من أربع طبقات، أن يصعدوا لإنقاذه وزوجته التي كانت عالقة وسط الركام.
ويتابع: مع تصاعد أصوات الطائرات الصغيرة في الأجواء منذ الساعة 11:30 مساءً في الليلة السابقة، لاحظنا تحليق مكثف لطائرات "الكواد كابتر" لكننا لم نتوقع أن تحمل هذه الطائرات قنابل موجهة، كننا نتجنب فتح النوافذ خشية التعرض لإطلاق نار مباشر.
ويستخدم الاحتلال طائرات "الكواد كابتر" بشكل متزايد في الحرب على غزة، وغالبًا ما تُحمّل بعبوات متفجرة تُلقى على أسطح المنازل بدقة متناهية، ما يضاعف من حجم الدمار والإصابات بين المدنيين.
ولم يكن معتصم، وحده ضحية هذا الأسلوب الجديد في القصف، فمحمد البياري، وهو أب لسبعة أبناء، عاش المشهد ذاته قبل أيام فقط.
ويروي البياري، لصحيفة "فلسطين": أنه في الساعة الرابعة فجرًا سمع صوت انفجار هائل فوق منزله، فطائرة حربية بدون طيار ألقت عبوة متفجرة على سطح بيته، فاخترقت القنبلة السقف ودمرت غرفة نوم بالكامل.
ويقول البياري بغضب: "استيقظنا جميعًا مذعورين، لا نعلم هل نحن في كابوس أم حقيقة، لم نعرف إلى أين نذهب، وكأن الموت يحوم فوق رؤوسنا".
وسط بكاء الأطفال وصرخات الفزع، اضطر البياري، إلى تهدئة أسرته والبقاء في المنزل رغم المخاطر، لكنه أجبر لاحقا على النزوح إلى مكان أكثر أمانًا ولو بشكل مؤقت.
إبادة جماعية
وعلى مقربة من منزل البياري، تقيم الحاجة صباح جودة، التي أصيبت بجراح في وجهها عندما اخترقت قطعة من الحجارة نافذة منزلها وارتطمت مباشرة بها.
وتقول الحاجة صباح لصحيفة "فللسطين": "إن الاحتلال يحاول إخافتنا لإجبارنا على النزوح جنوبًا، لكننا باقون هنا في بيوتنا، ولن نرحل، وسنصمد كما صمدنا سابقًا".
وترى، أن ما يحدث في غزة هو "محاولة إبادة جماعية واضحة المعالم"، مؤكدة أن استهداف المدنيين ومحاولة تهجيرهم ليس جديدًا على ممارسات الاحتلال.
وتستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، وتصفها المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية بأنها الأعنف في تاريخ القطاع المحاصر، بل في التاريخ الحديث.
ووفق آخر بيانات أصدرتها وزارة الصحة في غزة، فقد ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 64,605 شهيدًا، بينما بلغ عدد الجرحى 163,319 إصابة، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية ونقص حاد في الدواء والمستلزمات الطبية.
وفي ظل هذا الواقع القاسي، يعيش سكان غزة لحظات من الرعب اليومي، لا يعرفون إن كانوا سيستيقظون في اليوم التالي أم لا، لكن رغم ذلك، لا يزال الكثيرون منهم يصرون على البقاء، رافضين التهجير ومتمسكين بحقهم في الحياة على أرضهم.