عابدين : فرصة تاريخية لتحرك فلسطيني موحد لوقف الإفلات من العقاب

mainThumb
عابدين : فرصة تاريخية لتحرك فلسطيني موحد لوقف الإفلات من العقاب

18-09-2025 09:58 AM

printIcon

أخبار اليوم - في خطوة تمثل تطورا قانونيا مفصليا، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ارتكب أربع من أصل خمس صور لجريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

ويعد التقرير وثيقة قانونية بالغة الأهمية تعزز من مسار محاسبة دولة الاحتلال في المحافل القضائية الدولية، وتفتح الباب واسعا أمام المساءلة، بما يتجاوز حدود الإدانة السياسية إلى مستوى الفعل القانوني الملزم، وفق خبير في قانوني.

مرجعية دولية وقاضية ذات ثقل

ويوضح الدكتور عصام عابدين الخبير في القانون الجنائي الدولي، أن التقرير استند إلى تعريفات الإبادة الجماعية كما وردت في اتفاقية عام 1948، والتي تلزم الدول بمنع الجريمة ومعاقبة مرتكبيها. وقد جاء التقرير بعد دراسة شاملة للأدلة والوقائع في قطاع غزة ضمن إطار قانوني دولي دقيق.

وأشار إلى أن، اللجنة التي أعدت التقرير تشكلت بقرار من مجلس حقوق الإنسان عام 2021، وترأسها القاضية الجنوب أفريقية نافي بيلاي، صاحبة المسيرة القانونية الرفيعة والمواقف المبدئية، وقد سبق أن شغلت منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان وقاضية في المحكمة الجنائية الدولية.

صور الإبادة الجماعية المثبتة: جرائم مكتملة الأركان

وبين عابدين لـ "فلسطين أون لاين"، أن التقرير الدولي، أثبت أن إسرائيل ارتكبت القتل العمد بحق المواطنين الفلسطينيين على أساس قومي بهدف إهلاكهم كليا أو جزئيا، كما ثبت تسببها بأذى جسدي ونفسي بالغ يقارب حدود التدمير البطيء للسكان.

كذلك، فرض الاحتلال على الغزيين ظروفا معيشية قاسية تؤدي إلى الفناء، من تجويع وتعطيش وحرمان من الدواء، إلى جانب اتخاذ تدابير تمنع الإنجاب بين الفلسطينيين، من خلال تدمير المنظومة الصحية والمنع الممنهج لوصول الأدوية والرعاية الطبية.

الصورة الخامسة من جريمة الإبادة، وهي نقل الأطفال قسرا إلى جماعة أخرى، لم تثبتها اللجنة في هذا التقرير، إلا أن استكمال أربع من خمس صور يكفي قانونيا لإثبات الجريمة كاملة وفقا لاتفاقية الإبادة الجماعية، بحسب عابدين.

ويرى الخبير القانوني، أن كل صورة من هذه الصور تمثل جريمة مكتملة الأركان، وأن هذا التقرير بما يحمله من صفة أممية دائمة ومستقلة، يكتسب أهمية قانونية مضاعفة قد تكون حاسمة في مسار المحاكمات الدولية الجارية.

غزة في قلب الجريمة

منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة حربا إبادية شاملة طالت البشر والحجر والشجر، وأسفرت عن استشهاد ما يقارب 65 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 165 ألف بجروح متفاوتة وخطيرة.

لم تقتصر الجرائم على الأفراد، بل امتدت لتدمير البنية التحتية، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات والبيوت، والمساجد والكنائس، في وقت انهارت فيه المنظومة الصحية بالكامل، ما أدى إلى تفشي الأوبئة وتفاقم المجاعة.

وشكل فرض الحصار ومنع المساعدات وقطع الكهرباء والماء سياسة متعمدة لتجويع الغزيين وتجفيف شروط الحياة. وأصبحت غزة منطقة منكوبة خارج القانون، تعيش مجزرة يومية موثقة بالصوت والصورة وشهادات الناجين.

مساءلة قانونية مطلوبة

وأكد التقرير الدولي أن ما يجري لا يمكن فصله عن 77 عاما من سياسات الاقتلاع القسري والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني. كما أشار إلى تجاهل الاحتلال لأكثر من 300 قرار صادر عن الأمم المتحدة، ما يكشف نهجا طويلا من الإفلات من العقاب.

وشدد عابدين على أن القانون الدولي يفرض على الدول التزاما واضحا بوقف الإبادة ومنع استمرارها. مؤكدا أن التباطؤ الدولي أو تجاهل ما ورد في التقرير يرتقي إلى مستوى التواطؤ الصامت، ويضاعف مسؤولية المجتمع الدولي.

وبين أن هذا التقرير لا يقدم فقط توثيقا جنائيا للجريمة، بل يعيد ترتيب الأولويات أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ويوفر قاعدة أدلة يمكن البناء عليها لفرض مذكرات توقيف وتحقيق العدالة.

مطلوب خارطة طريق

وقال عابدين، إن التقرير الأممي يمثل فرصة استراتيجية ينبغي على الفلسطينيين التقاطها، داعيا إلى وضع خارطة طريق وطنية موحدة، تجمع بين الجهد الرسمي والشعبي، للعمل على استثمار التقرير في كل المحافل القانونية والسياسية.

وأكد ضرورة تشكيل فريق قانوني فلسطيني دولي، لمتابعة تنفيذ التوصيات الأممية وتوثيق الأدلة، والتواصل مع الهيئات الدولية بشكل مباشر، مشددا على أن التعامل مع هذا التقرير كخبر عابر سيكون تفريطا بحق الضحايا وبالعدالة.

تأثير عميق على قادة الاحتلال

وأشار عابدين إلى أن التقرير يشكل صفعة قانونية مدوية لقادة الاحتلال في المستويين السياسي والعسكري، إذ يوسع نطاق التهديد بالملاحقة الدولية، ويقوض الحصانة السياسية التي لطالما تمتع بها المسؤولون الإسرائيليون.

وبين أن توثيق الجرائم بصفتها "إبادة جماعية" وليس فقط "جرائم حرب" أو "جرائم ضد الإنسانية"، ينذر ببدء مرحلة جديدة من الضغط الدولي، خصوصا أن جميع أجهزة الأمم المتحدة، والمحاكم الدولية، أصبحت ملزمة بالتعاطي مع التقرير.

ولفت إلى أن حالة التوتر الواضحة في سلوك قادة الاحتلال، وامتناع جنود جيش الاحتلال مؤخرا عن نشر صورهم خلال تنفيذ جرائمهم بغزة، يعكس خشية حقيقية من ملاحقات وشيكة، ويدل على أن سيف العدالة بات يقترب أكثر من رقابهم.

لحظة قانونية لا تحتمل التأجيل

بدورها، رحبت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" بالتقرير، واعتبرته وثيقة قانونية محورية تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس جريمة الإبادة الجماعية بشكل ممنهج، ويهدف إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه.

وأكدت الهيئة في بيان، أن الاحتلال لا ينوي وقف الجريمة، بل يصر على مواصلتها، مستخدما المفاوضات كغطاء سياسي لشراء الوقت، ورافضا جميع المبادرات الدولية التي تطالب بوقف العدوان وفتح ممرات إنسانية.

واشار البيان إلى أن تدمير البنية التحتية في مدينة غزة، واستمرار جرائم القتل الجماعي والتجويع، وانتشار الأمراض، كل ذلك يعكس تصميما واضحا على تدمير القطاع وتهجير سكانه في سياق جريمة تطهير عرقي واسعة النطاق.

تحرك جماعي حازم

وشددت الهيئة على أن حماية الشعب الفلسطيني لم تعد خيارا سياسيا، بل التزاما قانونيا وأخلاقيا.

وطالبت "حشد" بتفعيل صلاحيات الجمعية العامة، لإرسال قوة حماية دولية إلى غزة، وفتح ممرات إنسانية فورية، ورفع الحصار، وإنهاء سياسة التجويع والحرمان.

كما دعت إلى تسريع الإجراءات في المحكمة الجنائية الدولية، وضم التقرير إلى ملف التحقيقات الجارية، والمطالبة بإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الاحتلال والداعمين الدوليين لهم.

وأشارت إلى ضرورة فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شاملة على إسرائيل، ووقف جميع أشكال الدعم العسكري والسياسي لها، مع تفعيل أدوات الضغط الدولي عبر المجتمع المدني والشعوب الحرة.

فلسطين أون لاين