عام على اغتيال نصر الله .. حزب الله بين إرث القائد وتحولات المواجهة

mainThumb
عام على اغتيال نصر الله.. حزب الله بين إرث القائد وتحولات المواجهة

27-09-2025 11:47 AM

printIcon

اخبار اليوم -  قبل عام، هزّ اغتيال الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصر الله المشهد اللبناني والإقليمي، بعدما خسر الحزب قائده الذي ارتبط اسمه بالصراع مع إسرائيل وبخطاب سياسي عسكري تجاوز حدود الطائفة والجغرافيا. وغاب الرجل في لحظة مفصلية من اشتعال المنطقة تاركا فراغا في القيادة وأسئلة كبرى عن مستقبل الحزب وموازين الردع.

خلال الفترة الماضية، سعى حزب الله إلى إعادة التموضع داخليا وخارجيا، متكئا على مؤسسات أكثر تماسكا في غياب شخصية مركزية كاريزمية، داخليا، حيث انتقل القرار من الفرد إلى القيادة الجماعية.

أما خارجيا، فوجد الحزب نفسه في مواجهة ميدانية مفتوحة مع إسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى"، حيث تحول الجنوب اللبناني إلى ساحة يومية للخروقات في اختبار متواصل لمعادلات الردع.

وعلى مدى عقود، امتلك نصر الله أدوات قلبت معادلات الصراع مع إسرائيل، حيث جمع بين الحرب النفسية والإعلامية وبين تطوير القدرات العسكرية والاستخبارية، مما رسّخ ما عُرف بـ"توازن الرعب". وهذا التوازن استمر بعد اغتياله لكنه دخل مرحلة استنزاف حاد مع تزايد الخروقات على الحدود.



فراغ أم إعادة إنتاج القيادة؟
ترك غياب نصر الله بصمة واضحة على بنية الحزب، فشخصيته الكاريزمية التي شكّلت قدرة استثنائية على الحشد والتعبئة لم تُعوّض بسهولة، مما فرض آليات أوسع للتوافق داخل القيادة وأسلوبا أكثر حذرا في القرار الميداني.

أما إقليميا، فقد فتح غيابه تساؤلات عن موقع الحزب داخل "محور المقاومة"، ودوره في معادلات المنطقة المشتعلة.

وبعيدا عن السياسة والعسكر، كرّس نصر الله صورة "القائد الرمز"، وجعله خطابه الذي جمع بين الصرامة والبساطة في نظر أنصاره أيقونة شعبية، وفي نظر خصومه خصما لا يمكن تجاهله.

ولم ينهِ اغتياله هذه الصورة، بل حوّلها إلى حالة وجدانية متجددة، تتغذى من خطاباته المؤرشفة ورمزيته التي تحضر في كل مناسبة.

محطة فاصلة
بعد عام على الاغتيال، لم يسقط حزب الله بغياب قائده، لكنه أيضا لم يعد كما كان، فالمعادلات التي أرساها لا تزال قائمة لكنها تواجه اختبارات يومية مرشّحة لرسم ملامح جديدة؛ حزب سياسي، ومواجهة أكثر تعقيدا مع إسرائيل، ومشهد لبناني إقليمي متأرجح بين إرث "الأيقونة" وضرورات الواقع المتغيّر.


في 27 سبتمبر/أيلول 2024، نفّذت إسرائيل عملية استهدفت السيد حسن نصر الله، بعد أقل من عام على اندلاع حرب غزة وفتح جبهة الجنوب إسنادا لها. واعتبر اغتياله الأخطر في تاريخ الحزب منذ تأسيسه، إذ غيّبت قائده الذي ارتبط اسمه بكل مواجهة كبرى خاضها الحزب خلال 3 عقود.

ولم يكن اغتياله مجرّد تطور عسكري، بل محطة فاصلة أرادت إسرائيل من خلالها توجيه رسالة إستراتيجية إلى الحزب ومحوره، لتفتح الباب على سؤال جوهري: من دون نصر الله، كيف ستبدو ملامح المرحلة المقبلة؟



نهاية حقبة
يرى المحلل السياسي جورج عاقوري أن اغتيال نصر الله مثّل لحظة انهيار إستراتيجي لمعادلات حكمت لبنان والمنطقة منذ حرب 2006، قبل أن تسقط نهائيا باغتياله، ويشير إلى أن الحدث "كشف عجز الحزب عن ردع التفوق الإسرائيلي وأضعف رمزية القيادة التي جسّدها نصر الله، خصوصا في إدارة التوازنات الداخلية والإقليمية".

ويذهب أبعد، معتبرا أن المرحلة المقبلة مرسومة باتجاه حتمي لتسليم سلاح حزب الله، إذ بدا واضحا أن لا خطوط حمراء بعد اليوم في مواجهة أي سلاح خارج سلطة الدولة. ويستشهد على ذلك بالاستهداف الإسرائيلي لمواقع داخل قطر في رسالة تتجاوز المنطق والسيادة، مؤكدا أن القوى الدولية والإقليمية قررت المضي في هذا المسار حتى نهايته.

ويخلص إلى أن نصر الله بقي أيقونة داخل بيئته وبين جمهور "الممانعة"، لكنه "فقد الكثير من حضوره العربي منذ أحداث 2008 وتورط الحزب في الأزمة السورية، ليتحول اغتياله إلى محطة فاصلة بين مرحلة هيمن فيها، وأخرى تتجه نحو إنهاء ظاهرة السلاح خارج الدولة".


تحولات الحزب
قال الكاتب والباحث في مركز كارنيغي مهند الحاج علي إن الأمين العام السابق لحزب الله شكّل رقما محوريا في المعادلة اللبنانية، سواء من حيث رمزيته المعنوية أو قدرته على ضبط الطائفة الشيعية.

ويرى أن اغتياله أسس لمرحلة جديدة تتبدل فيها القواعد؛ إذ بدأت التحالفات التي كانت قائمة على شخص نصر الله بالتفكك، كما تهاوت أسس الاشتباك التقليدي مع إسرائيل، وذلك يعني أن الحزب خسر على المدى المتوسط والبعيد جزءا مهما من رصيده السياسي.

ويضيف الحاج علي أن هذا التحول ستكون له انعكاسات مباشرة داخل الطائفة الشيعية؛ فغياب زعامة بحجم نصر الله يفتح فراغا ستظهر تداعياته تدريجيا، خصوصا مع تراجع حدة المواجهة مع إسرائيل في المراحل المقبلة.

أما على مستوى البنية الداخلية للحزب، فيعتبر أن المسألة الجوهرية تبقى مرتبطة بالدعم الإيراني؛ فإيران تشرف اليوم بشكل مباشر على تنظيم حزب الله، ومع استمرار قدرتها على التمويل يُتوقّع أن يحافظ الحزب على تماسكه رغم بعض الخلافات التي غالبا ما يُعيد الراعي الإيراني ضبطها.

وعلى المستوى الرمزي، يشير الحاج علي إلى أن نصر الله تجاوز موقع القيادة ليصبح "أيقونة شعبية"، ويعزو ذلك إلى عاملين أساسيين:

أولهما خلفيته الاجتماعية المتواضعة، إذ خرج من بيئة ريفية نزحت إلى أحزمة البؤس في بيروت، وعمل في مهن بسيطة كبائع خضار قبل أن يصعد تدريجيا إلى موقع القيادة، وهو مسار وجد صدى عميقا لدى أبناء الطائفة لأنه عكس تجربتهم وتاريخهم.
وثانيهما تضحياته الشخصية، وعلى رأسها استشهاد نجله الأكبر في معركة ضد الاحتلال الإسرائيلي في التسعينيات، مما عزّز صورته كقائد يعيش معاناة جمهوره، بخلاف قيادات أخرى انشغلت عائلاتها بالثراء والامتيازات.


إعادة تشكيل المعادلات
يقول المحلل السياسي وسيم بزي، للجزيرة نت، إن اغتيال شخصية بحجم وثقل نصر الله شكّل لحظة تداع إستراتيجية، أعادت تشكيل معادلات حكمت واقع لبنان والمنطقة منذ يوليو/تموز ٢٠٠٦. وهذه المعادلات التي ثبتت وفق وقائع متعددة اصطدمت أول مرة بزلزال أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، ثم اكتملت بعملية اغتيال نصر الله في ٢٧ سبتمبر/أيلول ٢٠٢٤.



ويشير بزي إلى أن كثيرين في لبنان والمنطقة ظلموا نصر الله أو قلّلوا من إرادته الشخصية في دعم القضية الفلسطينية خصوصا ضمن الإطار الأوسع لمعركة الإسناد، ويضيف أن شهادة نتنياهو الذي استعرض تقريرا من ٨٠ صفحة عن نصر الله واعتبره محورا أساسيا داخل المحور المقاوم تعكس تأثير نصر الله على إيران بقدر تأثيرها عليه، حتى لو كان الغرض من التقرير تكبير الإنجاز الإسرائيلي.

ويؤكد المحلل أن استشهاد نصر الله "فتح الطريق لإضعاف محور المقاومة"، بما في ذلك تراجع الأسد وتساقط "أحجار الدومينو"، من دون أن يعني ذلك سقوط إرادة المقاومة أو توقف ساحاتها عن القتال، وإن غابت الصورة الأبهى والأكثر ثقلا التي كان يمثلها نصر الله شخصيا.

ويضيف بزي أن حزب الله شرع في عملية إعادة تكيف واسعة بعد تغيّر عقيدة العدو الإسرائيلي وقواعد الاشتباك، وفقدان جنوب نهر الليطاني كساحة أساسية، بالإضافة إلى غياب عدد كبير من قيادات الصف الأول والثاني، إلا أن الحزب استفاد من تراكمه الإستراتيجي على مدى ١٧ عاما، من حيث السلاح والموارد البشرية رغم انقطاع خطوط الإمدادات السورية.

ورغم استمرار الضغوطات الإسرائيلية والأميركية، وملاحقة بنياته المالية، فإن الحزب استطاع إعادة هيكلة وحداته العسكرية المتنوعة، وإطلاق ورشة تنظيمية واسعة تأخذ في الاعتبار الغياب الثقيل للسيد هاشم صفي الدين الذي كان يشكّل حجر الأساس في تنفيذ العمليات الكبرى.

الجزيرة