من الرابح ومن الخاسر بعد حرب غزة التي استمرت عامين؟

mainThumb
من الرابح ومن الخاسر بعد حرب غزة التي استمرت عامين؟

04-10-2025 04:00 PM

printIcon

صالح الشرّاب العبادي

بعد حرب استمرت عامين كاملين على غزة، تتكشف معالم المشهد بوضوح أكبر: من خسر ومن ربح؟ وكيف أعادت هذه الحرب صياغة التوازنات الإقليمية والدولية؟

إسرائيل، رغم ترسانتها العسكرية ودعمها الأميركي، خرجت من الحرب وهي تحمل أكبر الخسائر الاستراتيجية. لم تنجح في كسر المقاومة ولا في فرض شروطها السياسية، وبات جيشها غارقًا في معارك طويلة الأمد بلا حسم. صورة الردع الإسرائيلي التي طالما تغنت بها تل أبيب تآكلت أمام أعين الداخل والخارج، فيما يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة إنهاك اقتصادي ونفسي غير مسبوقة.

على الضفة الأخرى، المقاومة الفلسطينية تمكنت من تحويل صمودها إلى ربح سياسي ومعنوي كبير. عامان من القتال لم يسقطا غزة ولا المقاومة، بل فرضاها كفاعل إقليمي لا يمكن تجاوزه ، موافقتها الأخيرة على خطة ترامب لم تأتِ من موقع ضعف بل من موقع من يملك أوراقًا تفاوضية فرضتها ميادين القتال ، لقد أثبتت المقاومة أن الانتصار ليس فقط بكمية السلاح بل بالقدرة على الصمود وإدامة المعركة حتى تصبح كلفة الحرب باهظة على العدو.

أما العالم العربي والإسلامي فقد ربح بعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد بعد سنوات من التهميش، لكنه خسر في غياب موقف موحد قادر على تحويل هذا الصمود إلى مشروع سياسي شامل. لا تزال الانقسامات الداخلية تشكل عقبة كبرى أمام تحويل الانتصار الميداني إلى مكسب استراتيجي دائم.

الولايات المتحدة بدورها حققت ربحًا تكتيكيًا بإظهار ترامب في موقع صانع السلام، لكنه في العمق خسر كثيرًا، إذ اهتزت صورة واشنطن كحليف مطلق لإسرائيل، وصار لا بد من البحث عن توازنات جديدة مع الأطراف العربية والإسلامية.

بالنسبة للأردن، فقد خرج رابحًا استراتيجيًا بصمته الوازن. بقي ثابتًا على خط التوازن، داعمًا للحقوق الفلسطينية، وحاميًا لاستقرار المنطقة، ونجح في تكريس صورته كصوت عقلاني وسط صخب الحرب، ما يجعله لاعبًا لا غنى عنه في أي ترتيبات سياسية قادمة.

لكن يبقى الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني جرحًا مفتوحًا يهدد بتبديد الكثير من المكاسب ، فالمقاومة التي صمدت عامين أمام آلة الحرب الإسرائيلية لن تكتمل إنجازاتها ما لم يلتئم الصف الوطني الفلسطيني في مشروع سياسي موحد ، فغياب الوحدة بين غزة ورام الله يُضعف القدرة على استثمار النصر المعنوي، ويمنح إسرائيل هامشًا للمناورة ، إن اللحظة الراهنة ليست فقط لحظة وقف النار، بل لحظة ضرورة لإنهاء الانقسام الداخلي، ليكون الفلسطينيون أمام العالم كتلة واحدة تحمل رؤية سياسية متماسكة، وقادرة على تحويل التضحيات إلى دولة وحقوق غير قابلة للتفريط.


الخلاصة أن هذه الحرب لم تُنتج هزيمة كاملة ولا انتصارًا مطلقًا، لكنها أظهرت بوضوح أن إسرائيل فقدت زمام المبادرة، وأن المقاومة ربحت الشرعية السياسية بقدر ما ربحت المعركة المعنوية ، نحن أمام لحظة فارقة، حيث موازين القوى لا تُقاس فقط بالدبابات والصواريخ، بل بقدرة الشعوب على الصمود وقدرة الدول على تحويل التضحيات إلى إنجازات سياسية.