سائق تاكسي: نصف دينار حصيلة عمل يومٍ كامل

mainThumb
سائق تاكسي: نصف دينار حصيلة عمل يومٍ كامل

27-10-2025 09:41 AM

printIcon


أخبار اليوم - في مشهدٍ يختصر وجع المهنة، يتحدث سائق تاكسي عن حصيلة يوم عملٍ امتد ثلاثة عشر ساعة، خرج منها بنصف دينار فقط. ليست شكواه عابرة، بل مرآة لقطاعٍ بأكمله يعيش تآكلًا صامتًا، في ظل فوضى اقتصادية وتنظيمية جعلت رزق الناس خاضعًا للمزاج، لا للعدالة.

يقول السائق إن العمل على التاكسي الأصفر لم يعد كما كان، فالدخل تراجع، والضمان الشهري الذي يدفعه المتضمن ارتفع إلى حدود مرهقة، والبنزين يلتهم ما تبقى من الأمل. في المقابل، تغيب الرقابة الحقيقية، ويختلط المرخّص بغير المرخّص، والسيارة الخصوصي بتطبيق التوصيل، في سوقٍ مفتوحٍ على العبث، تحوّل إلى ما يشبه “الشوربة” التي لا طعم لها ولا نظام.

الشارع الأردني اليوم يعكس حالة من اختلال التوازن بين العرض والطلب في قطاع النقل. فالتكاسي العمومية التي كانت عماد النقل الفردي أصبحت محاصرة بين تطبيقات تزداد سياراتها يومًا بعد يوم، وبين منافسة غير عادلة من مركبات خصوصية تمارس “السرفسة” في وضح النهار. وبين هذا وذاك يقف السائق المتضمن، الذي يدفع ما عليه من التزامات ثم يعود آخر اليوم بخفيّ حنين.

القضية ليست مجرد أزمة مهنة، بل أزمة ثقة. حين يشعر المواطن أن الدولة تركت القطاع للغالب والمغلوب، وأنها تغضّ الطرف عن التجاوزات ما دامت الرسوم والضرائب تتدفق، فإن الإحباط لا يبقى في الشارع فحسب، بل يتحوّل إلى سؤال عن العدالة الاقتصادية نفسها. كيف يُترك من يعمل 13 ساعة ليعود بنصف دينار؟ وأين تتجسد الحماية التي وعد بها قانون العمل وحقوق العاملين لحسابهم؟

ما يلفت في حديث السائق أنه لا يشتكي فقط من الرزق، بل من غياب التنظيم. فكل من امتلك سيارة بات قادرًا على منافسة التاكسي العمومي، وكل يوم تولد شركة توصيل جديدة، بعضها مرخص وبعضها لا، في وقتٍ لم تُقدّم فيه الحكومة رؤية واضحة لضبط السوق أو حماية السائقين النظاميين.

النتيجة أن هذا القطاع لم يعد يدار بسياسة، بل بعفوية الفوضى، وأن السائقين الذين كانوا يعتاشون من كرامة العمل باتوا يقتاتون على فتات يومٍ طويل. ومع كل شكوى جديدة، يزداد الشعور بأننا نعيش مرحلة “الكل يشتغل ضد الكل”، حيث المواطن ينافس المواطن، والدولة تراقب بصمت.

هي ليست قصة تاكسي أصفر فقط، بل قصة وطنٍ صغير يكدّ فيه الناس كثيرًا ليحصلوا على القليل. وحين يصبح رزق السائق مرهونًا بعبث التطبيقات والخصخصة غير المنضبطة، فربما آن الأوان أن تُسأل الدولة: من الذي يقود حقًا؟