هربوا من فخّ ضمان التكسي الأصفر .. فسقطوا في شبكة التطبيقات الذكية: من يسرق عرق السائق الأردني؟

mainThumb
هربوا من فخّ ضمان التكسي الأصفر... فسقطوا في شبكة التطبيقات الذكية: من يسرق عرق السائق الأردني؟

02-11-2025 11:20 AM

printIcon


أخبار اليوم – كانت الحكاية في بدايتها بسيطة، وساذجة في ظاهرها لكنها محمّلة بالأمل. سائقون كثر أنهكتهم أيام "الضمان" اليومي في سيارات الأجرة الصفراء، يخرجون من بيوتهم فجراً ليقضوا نهارهم خلف المقود، ثم يعودون في المساء بأيدٍ فارغة إلا من تعبهم، بعد أن يقتطع صاحب المركبة كامل "الضمان"، فلا يتبقى لهم سوى الفتات. عندها، بدا الحلم بالتطبيقات الذكية كنافذة خلاص، وكأنها طريق جديدة نحو الكرامة والعمل الحر.

غير أن ما كان يُقدَّم لهم كفرصة، تحوّل تدريجياً إلى فخّ اقتصادي واجتماعي متقن. فمع توسّع شركات النقل الذكي، انطلقت موجة شراء سيارات جديدة، حيث هرع كثير من السائقين إلى الوكلاء والبنوك لتملّك مركبات حديثة تتوافق مع شروط التطبيقات، بعضهم دفع مدّخراته كاملة، وبعضهم الآخر اقترض عشرات الآلاف من الدنانير، طامعاً في أن يكون "مالك عمله" لا "تابعاً للضمان". لكن سرعان ما تبدّد هذا الحلم الجميل.

بدأت الحقيقة تنكشف مع مرور الشهور. فالشركات الذكية لم تكن أكثر رحمة من أصحاب التكاسي القديمة. نسبة الاقتطاع من الرحلات ارتفعت تدريجياً، والرسوم الإدارية تكاثرت، والمصاريف التشغيلية من بنزين وصيانة وتأمين وضرائب أصبحت كالسكاكين في رقبة السائق. حتى المنصات التي كانت توهمهم بالحرية، باتت تتحكم فيهم بنظام النقاط والتقييم، تُعاقب وتُكافئ وفق خوارزميات غامضة لا ترحم أحداً.

اليوم، يواجه عدد كبير من سائقي التطبيقات أزمة مالية خانقة. المركبات التي كانت رمز الاستقلال صارت عبئاً ثقيلاً، والأقساط البنكية باتت تطاردهم شهراً بعد آخر. البعض اضطر لبيع سيارته بخسارة، وآخرون تُحجز مركباتهم أو تُسحب منهم قسراً بسبب العجز عن السداد. وهكذا، وجد السائقون أنفسهم مجدداً في الدائرة ذاتها: تعب بلا مردود، وديون بلا نهاية، ومستقبل غامض.

أما الأسباب، فليست خافية على أحد. غياب الرقابة الفعلية على شركات التطبيقات، وترك السوق يشتغل بلا توازن بين العرض والطلب، وعدم تحديد حد أدنى للأجور أو تسعيرة عادلة للسائق، كل ذلك جعل العمل في هذه التطبيقات أقرب إلى مغامرة خاسرة. يُضاف إلى ذلك ضعف التنظيم القانوني الذي يضمن حقوق السائقين، وازدواجية الترخيص بين التطبيقات والمركبات، وتفاوت الرسوم المفروضة عليهم من أكثر من جهة.

الحلول تبدأ أولاً بالاعتراف بأن هذه الأزمة لم تعد فردية بل أصبحت ظاهرة اقتصادية واجتماعية تمسّ آلاف الأسر. لا بد من تدخل حكومي منظم يضع إطاراً عادلاً للعلاقة بين السائق والمنصة، ويحدّد نسب الاقتطاع بما يضمن بقاء السائق على قيد الكرامة لا مجرد رقم في منظومة استغلال. كما يجب إعادة النظر في تراخيص المركبات العاملة على التطبيقات، ومنح تسهيلات حقيقية لمن تورّطوا في القروض، لا بقرارات شكلية بل بإعادة جدولة مدروسة ومراعية لواقع السوق.

لقد آن الأوان لأن يُفتح هذا الملف بجرأة. فهؤلاء الشباب الذين حلموا بالحرية عبر التطبيقات وجدوا أنفسهم أسرى لها، بين فريسة الضمان القديم وضحية النسبة الجديدة. والسؤال المؤلم الذي يظل بلا جواب: من ينصفهم، ومن يعيد إلى وجوههم ملامح الأمل الذي سُرق منهم مرتين؟