الإدارة المحلية… إلى أين؟

mainThumb
الإدارة المحلية… إلى أين؟

17-12-2025 11:59 AM

printIcon

المهندس محمد عليان

تُعدّ الإدارة المحلية إحدى الركائز الأساسية في بناء الدولة الحديثة، لما لها من دور مباشر في تحسين جودة الحياة، وتعزيز المشاركة الشعبية، وتحقيق التنمية المتوازنة بين المحافظات والمناطق. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بإلحاح هو: إلى أين تتجه الإدارة المحلية؟ وهل ما زالت قادرة على أداء دورها كما يجب، أم أنها تحتاج إلى مراجعة جذرية في المفهوم والتطبيق؟
لقد أُنشئت الإدارة المحلية في الأصل لتقريب القرار من المواطن، وتمكين المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها وفق احتياجاتها وأولوياتها الفعلية. إلا أن الواقع يكشف عن فجوة واضحة بين الهدف والممارسة؛ حيث تعاني العديد من المجالس المحلية من ضعف الصلاحيات، ومحدودية الموارد، وتداخل الأدوار مع الجهات المركزية، ما أفقدها القدرة على التأثير الحقيقي في مسار التنمية.

إن المركزية المفرطة ما زالت تشكّل أحد أبرز التحديات أمام تطور الإدارة المحلية. فبقاء القرار محصورًا في العاصمة، حتى في القضايا الخدمية والتنموية البسيطة، يُفرغ فكرة اللامركزية من مضمونها، ويحوّل المجالس المحلية إلى أطر شكلية تفتقر إلى الفاعلية. كما أن غياب التخطيط الاستراتيجي المحلي، المرتبط ببيانات دقيقة واحتياجات حقيقية، ينعكس سلبًا على نوعية المشاريع وجدواها.

ولا يمكن إغفال التحدي المتعلق بالكفاءة الإدارية؛ إذ إن ضعف التأهيل، وغياب التدريب المستمر، وعدم اعتماد معايير واضحة في اختيار القيادات المحلية، كلها عوامل تحدّ من الأداء، وتُضعف ثقة المواطن بالإدارة المحلية ومؤسساتها. فالإدارة ليست منصبًا، بل مسؤولية تتطلب معرفة وخبرة وقدرة على اتخاذ القرار.

في المقابل، فإن الإدارة المحلية تمثّل فرصة حقيقية إذا ما أُحسن استثمارها. فتمكين المجالس المحلية بصلاحيات حقيقية، وربطها بموارد مالية مستقلة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، من شأنه أن يحوّلها إلى محرّك فعلي للتنمية. كما أن إشراك الشباب وأصحاب الكفاءات، والاستفادة من التكنولوجيا في التخطيط والمتابعة، يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في الأداء والخدمات.

إن الإجابة عن سؤال “الإدارة المحلية إلى أين؟” مرهونة بمدى جدّيتنا في الإصلاح. فإما أن تبقى الإدارة المحلية حلقة ضعيفة في منظومة الحكم، أو أن تتحول إلى شريك حقيقي في صنع القرار والتنمية. والاختيار هنا ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تمس مستقبل الدولة واستقرارها وقدرتها على تلبية تطلعات مواطنيها