حين قُصفت الضِّحكة .. قصَّة أب فقد نصف حياته في مدرسة

mainThumb
تقرير حين قُصفت الضِّحكة... قصَّة أب فقد نصف حياته في مدرسة

02-05-2025 05:20 PM

printIcon

أخبار اليوم - في ركنٍ مهجور من الجنوب، حيث لا ضوء إلا ما يتسلل من ثقوب الخيمة، يجلس همام الريفي، رجلٌ في الثلاثينيات من عمره، يحمل على عاتقه مسؤولية أسرته الصغيرة – زوجته وستة أطفال – بعد أن أنهكته سنوات الحصار، وأتعبه القصف، وأوجعته الخسارات. لا يزال صوته متهدجًا، يخنقه الحنين حين يلفظ اسم والدته أو شقيقته بسمة.

"كنا نعيش في حي التفاح، ورغم الخوف الذي يحيط بنا من كل جانب، تمسكنا بالبقاء"، يقول الريفي لصحيفة "فلسطين"، لكن بعد ازدياد حدة الغارات، قرر النزوح جنوبًا، كما فعل آلاف آخرون، بحثًا عن مأوى يضمن الحد الأدنى من الأمان.

"ما كنتش خايف على نفسي، كنت بس أفكر بأولادي، وزوجتي، وأمي اللي المفترض إنها تجلس في بيتها وتعيش حياة هانئة ومطمئنة بدلًا من حياة الخيمة البدائية اللي ما بتصلحش للحياة الآدمية".

ويضيف الريفي: "الحرب ما بتعطيك خيار، بل بتدفعك من شدة الخوف لترك بيتك، وذكرياتك، كل شيء، لتبدأ من الصفر في خيمة، بلا كهرباء، بلا ماء، بلا خصوصية. لكن الأسوأ ما كان النزوح، بل ما جاء بعده".

النكبة داخل النكبة

بعد إعلان وقف إطلاق النار، قرر الريفي العودة إلى غزة. "اشتقت لريحة ترابها... حسّيت كأني رجعت أتنفس، كأني ولدت من جديد"، لكن الحرب لم تنتهِ. بعد أيام من انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، استؤنفت الغارات، وطُلب من سكان حي التفاح – ومنهم الريفي – إخلاء منازلهم مجددًا. هذه المرة، لم يجدوا مأوى سوى خيمة نصبوها بأيديهم.

أما بسمة، شقيقته الصغرى، فقد وجدت غرفة صفية في مدرسة دار الأرقم لتسكنها، بعد أن قُصف بيتها في جباليا وباتت بلا مأوى. كانت حاملًا في شهرها التاسع، تعيش فرحتها الأولى بالأمومة، وقد زارتها والدتهم صباحًا لإحضار حقيبة الولادة ومساعدتها في الاستعداد للحظة التي انتظرتها طويلًا.

"كانت تحكيلي دايمًا إنها ما صدّقت إنها رح تصير أم، كانت فرحانة بطريقة صعب أشرحها أو أوصفها"، يتوقف الريفي، يصمت قليلًا، ثم يقول: "بس الاحتلال حتى اللحظة هاي ما ترك إلنا إشي نفرح فيه".

الوداع الأخير

في اليوم السادس من شوال، وقبل الفجر، سقطت براميل متفجرة على المدرسة. لم يكن القصف تحذيريًّا، ولم يكن هناك إنذار. استُشهدت بسمة، وجنينها، ووالدتهم. صائمة، وقبل قدوم العيد، سرّحت شعرها كما تفعل كل عيد، حتى أنه مازحها: "رجعتي عشرين سنة لورا". وأعدّت الكعك والمعمول والسماقية، وجمعت أبناءها وبناتها. "كأنها كانت بتودعنا"، يقول الريفي.

"لما شفت جثتها... حسّيت الدنيا وقفت. أمي كانت جنتي على الأرض، وبسمة كانت روحي... ما كنت أتخيل حياتي بدونهم". اليوم، يحتفظ همام بآخر صورة جمعتهم، ويقول إنه لا ينام إلا بعد أن يُحدّث والدته بصوتٍ خافت، وكأنها لا تزال تسمعه.

الصوت الذي لا يُقصف

رغم كل ما حدث، لا يزال همام متمسكًا بالحياة، ليس فقط من أجل أطفاله، بل من أجل ألا تُنسى الحكاية. ويتابع حديثه: "أنا مش رقم في نشرة أخبار، أمي، أختي، مش شهداء وأرقام. هدول كانوا حياة، كانوا حب، وأمان، وضحكة".

في كل مناسبة تمر، يتذكرهم. "العيد قرّب، ومكانهم فاضي... بس راسخ بقلبي. كل مرة بشم ريحة الكعك، برجع بشوف أمي في المطبخ، وبسمة وهي بتحط يدها على بطنها وتضحك".

وتُعدّ مجزرة مدرسة دار الأرقم واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين في قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023. وقعت هذه المجزرة في حي التفاح شرق مدينة غزة، حيث استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المدرسة التي كانت تؤوي مئات النازحين، معظمهم من النساء والأطفال، ممن فروا من منازلهم بحثًا عن الأمان.

وقد أسفر القصف عن استشهاد 29 فلسطينيًّا، بينهم 18 طفلًا وامرأة ومسن، إضافة إلى أكثر من 100 جريح، بعضهم في حالة حرجة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُستهدف فيها مدرسة دار الأرقم، فقد سبق أن تعرضت للقصف، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من مبناها.

المصدر / فلسطين أون لاين