السلطات السورية في مواجهة دوامة التوترات الطائفية

mainThumb
السلطات السورية في مواجهة دوامة التوترات الطائفية

05-05-2025 03:21 PM

printIcon

أخبار اليوم - قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، إنه في شوارع أشرفية صحنايا، على بعد 15 كيلومتراً جنوب دمشق، تبدو بعض الواجهات مثقوبة بالرصاص، فيما احترقت بعض السيارات نتيجة الاشتباكات التي أغرقت المدينة الدرزية بالعنف في 29 نيسان/ أبريل.

نقلت الصحيفة الفرنسية عن مواطن يدعى فادي قوله: “الميليشيات كانت تطلق النار عشوائياً وأطلقت قذائف الهاون على المدينة. تلقينا أمراً بالبقاء في بيوتنا”، مُشيرة إلى أن فادي، وهو طالب في السنة الثانية من بكالوريوس علوم الحاسوب، لجأ مع والدته وشقيقه إلى مدينة جديدة المجاورة. يضيف: “اقتربت الاشتباكات من منزلنا، وظننت أنني سأموت. كانت المدينة تحت الحصار”.

توقفت المواجهات بين الفصائل الدرزية والمجموعات المسلحة المتشددة بعد توقيع اتفاق بين السلطات ووجهاء محليين يقضي بنزع سلاح الفصائل الدرزية، تُشير صحيفة لوفيغارو، مضيفةً أن هذه الموجة من العنف طالت أيضاً المدن الدرزية في جرمانا بضواحي دمشق، وكذلك في السويداء جنوب البلاد.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد الضحايا الإجمالي 102 قتيلا. تأتي هذه المواجهات في سياق تصاعد التوترات الطائفية في البلاد. فمنذ سقوط نظام بشار الأسد واستيلاء فصائل من جماعة هيئة تحرير الشام على السلطة في 8 ديسمبر/ كانون الأول عام 2024، أصبحت الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المتطرفة شبه يومية وتستهدف بشكل أساسي الطائفة العلوية.

وبلغت هذه الأعمال ذروتها في مطلع آذار/ مارس، حينما شن عناصر من النظام السابق هجوماً منسقاً على القوات الحكومية، ما أدى إلى موجة من المجازر أودت بحياة 1334 شخصاً، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

يشاهد فادي، الطالب الدرزي، مقاطع الفيديو التي تنهال على هاتفه الذكي بذهول.. في أحد المقاطع، يظهر رجل ملثم يزعم أنه في أشرفية صحنايا، يضرب شخصاً على عنقه مراراً ويجبره على الثغاء “من أعماق قلبه”. هذه المقاطع تذكر بتلك التي انتشرت خلال مجازر آذار/مارس، حيث تم وصف العديد من العلويين بالخنازير من قبل مهاجميهم. يقول فادي إن كل هذه الجرائم تحمل نفس الطابع: الإذلال والوصم الجماعي، تقول صحيفة لوفيغارو.

تكررت الحوادث، وترافقت مع أعمال عنف. ففي حمص، تتوالى عمليات القتل والاعتداءات والخطف بصمت. وقد وثقت منظمة “مجموعة السلام المدني” 72 حالة اختطاف لنساء منذ كانون الثاني/ يناير في منطقتي حمص والساحل. ووفق تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أكثر من ربع جرائم القتل التي تم توثيقها في نيسان/ أبريل وقعت في هذه المدينة.

نقلت الصحيفة عن مواطنة اسمها ناديا قولها بصوت خافت: “هم يفعلون هنا ما فعلوه على الساحل خلال المجازر، لكن هذه المرة يفعلونه بالتدريج، كي لا يلفتوا أنظار المجتمع الدولي”، كما تنقل عنها لوفيغارو.

أوضحت لوفيغارو أنه غالباً ما تأتي الجرائم ضمن منطق الانتقام لأحداث الحرب الأهلية. ونقلت الصحيفة عن مواطن يدعى ضمار، قوله: “كثير من هذه الأعمال يرتبط الأمر بنزاعات عقارية. في بداية الحرب الأهلية، استولى الشبيحة على منازل كثيرة وباعوها عدة مرات. اليوم، تسعى الجماعات المتشددة إلى الانتقام”. ويرى هذا الأخير أن غياب العدالة الانتقالية يفاقم الوضع، لأنه “يدفع الناس إلى الانتقام بأيديهم”. وكان “الإعلان الدستوري”، الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع في 13 آذار/ مارس 2025، قد نصّ على تشكيل لجنة للعدالة الانتقالية، لكنها لم تُفعّل حتى الآن، تُذكر الصحيفة الفرنسية، موضحة أنه هذا العنف يُغذيه أيضاً بُعد طائفي.

نقلت لوفيغارو كذلك عن مواطن يدعى كريم قوله: “بلا شك، نحن أمام جريمة طائفية. صحيح أن بشار الأسد كان علوياً، لكن الكثير من قادة النظام السابق كانوا سنة. سلم العلويون سلاحهم بعد سقوط النظام لأنهم وُعدوا بالسلام والاندماج في الدولة الجديدة. والآن يُطعنون من الخلف”.

وبحسب منظمة “مجموعة السلام المدني”، تحاول قوات الأمن الحكومية السيطرة على الوضع عبر نشر تعزيزات إضافية في حمص، توضح الصحيفة الفرنسية، التي عادت ونقلت عن المواطن ضمار، قوله: “فهمت الأجهزة الأمنية أن فقدان السيطرة على بعض الأحياء سيكون كارثياً. لذا، عاد الهدوء في الأيام الأخيرة إلى الأحياء العلوية في شرق المدينة”.

كما السلطات الجديدة قد تعهدت بملاحقة مرتكبي الجرائم، وشكلت لجنة تحقيق في مجازر آذار/ مارس. غير أن ذلك لا يكفي بالنسبة لعائلة منصور، التي ترى أن الدولة مقصرة: “قالوا إنهم فتحوا تحقيقاً، لكننا لم نتلقَ أي معلومة منذ ذلك الحين. الأمن مهمته حفظ النظام، لكنه يترك الجرائم تُرتكب أمام أعيننا”، كما تُنقل عنهم صحيفة لوفيغارو.

ينتقد الضحايا بطء السلطات الجديدة في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الأخيرة. وتقول مصادر غربية مطلعة على الوضع في دمشق إن “السلطة تخشى فقدان السيطرة على بعض المناطق، وتواجه ضغطاً من قاعدتها الراديكالية، لذلك تلتزم بمنهج أمني صرف”. وتشير إلى أن إسرائيل قصفت في الأسبوع الماضي عدة مواقع داخل الأراضي السورية “دعماً للطائفة الدرزية”، توضح لوفيغارو.