أخبار اليوم - في غزة لا تنتهي الحكايات التي تصنعها الحرب، لكنْ لكل طفل نكهته الخاصة من الألم. طارق أبو دلال، فتى في السادسة عشرة من عمره، كان يقف على أعتاب الرجولة، يحاول أن يكون سندًا لعائلته وسط حرب لا تعرف الرحمة، لكنه لم يكن يعلم أن قذيفة واحدة ستسرق منه جسده، وطفولته، وحياته اليومية الطبيعية.
يقول والده لصحيفة "فلسطين": "منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، كان طارق مثالًا للطفل المسؤول؛ يقوم يوميًا بتعبئة المياه من نقاط التوزيع، ويذهب إلى السوق ليشتري الخضروات والحاجيات الأساسية، حاملًا على كتفيه همًّا أكبر من عمره".
في 13 ديسمبر 2024، خرج طارق من البيت كعادته، متوجهًا إلى السوق لشراء حاجيات المنزل، وبينما كان عائدًا، وعلى مقربة من مفترق "السامر"، دوى انفجار عنيف؛ صاروخ إسرائيلي سقط دون سابق إنذار، ليتحول المكان إلى ساحة شهداء وجرحى، وكان طارق من بينهم.
يشير والده إلى أن طارق كان يعشق كرة القدم، ولا يمر صباح عليه دون أن يركل الكرة في حارة منزله. كان يحلم أن يصبح لاعبًا محترفًا يحمل اسم بلده على صدره. لكن في غزة، الحلم هشّ، يكسره صوت الطائرة، ويمزّقه صاروخ لا يفرّق بين عدو وطفل.
ويضيف: "عند عودته، كان يحمل أكياسًا صغيرة من الخضار وكيس أرز، ولحظة واحدة فصلت بين الحياة والمأساة. صاروخ انقضّ على المكان بلا إنذار، بلا رحمة. سقط طارق أرضًا، وعمّ الصمت الثقيل المدينة".
أُصيب طارق إصابة مباشرة في ظهره؛ اخترقت الشظايا جسده الغض، واستقرت في الفقرتين السادسة والسابعة من العمود الفقري، مع شرخ في النخاع الشوكي. لم يفقد وعيه، لكنه لم يشعر بساقيه. "ليش مش قادر أتحرك؟" سأل وهو يبكي، ثم غاب عن الوعي قبل أن يجد إجابة لسؤاله.
من سرير مستشفى الشفاء، انتقل طارق إلى واقع جديد لم يكن مستعدًا له. لم يخبره أحد بأنه قد لا يمشي مرة أخرى، حتى أن الأطباء حاولوا التمهيد له بأن الأمر يحتاج إلى وقت، إلى جانب العلاج الطبيعي.
وعندما جلس على كرسي متحرك للمرة الأولى، نظر إلى ساقيه التي لا تستجيبان، وقال: "أنا مش عاجبني حالي... أنا بدي أمشي، أركض، ألعب، أعيش".
لا يتقبل طارق وضعه الجديد؛ يبكي كل ليلة لأمه، يطلب منها أن تعيده كما كان، ويسألها: "ليش أنا؟". تحاول أمه أن تواسيه، تبكي بصمت حين ينام، وتخفي دمعتها كلما سألها عن ساقيه.
ويؤكد والده أن الوضع النفسي لطارق صعب؛ لم يعد يحب أن يرى أحدًا، ويرفض الخروج. يقول: "طارق مش بس انجرح بجسمه، انكسر من جوّا... حلمه انسرق قدام عينه".
العلاج الطبيعي ضروري، لكنه غير كافٍ في غزة. الكراسي المتحركة قليلة، والرعاية النفسية شبه منعدمة. ويتابع والده: "وما يزيد وضعه سوءًا أنه فقد الشعور بعملية الإخراج، ويحتاج إلى استخدام حفاض طبي وكيس خاص بالبول، ما سبّب له التهابات وتقرحات جلدية".
رغم كل شيء، لا تزال كرة القدم حاضرة في أحاديثه. يقول طارق: "سأعود للعب، حتى لو من على كرسي متحرك، أحلم أن أصبح مدربًا، أو معلقًا رياضيًا"، فقط ليبقى قريبًا من لعبته التي عشقها.
ويرى والده أن الواقع أقسى من الحلم، وما يحتاجه طارق اليوم ليس الشفقة، بل رعاية طبية متقدمة، ودعم نفسي متواصل، وفرصة للعلاج خارج حدود الحصار، عسى أن يعود إلى حياته.
المصدر / فلسطين أون لاين