أخبار اليوم - يعرض محمود حسونة، في سوق مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، كميات قليلة من الأسماك، في حين يقف عدد قليل من الناس لمعاينتها وشرائها، بسبب الغلاء الفاحش في أسعارها.
ففي هذا السوق الشعبي، الذي كان يعجّ بأنواع مختلفة وكميات كبيرة من الأسماك قبل حرب الإبادة الإسرائيلية، يقتصر العرض الآن على كميات محدودة، جعلت من هذه الوجبة المفضلة لدى نسبة كبيرة من الغزيين حلمًا بعيد المنال.
"إنها الحرب"، قال حسونة عن السبب في ارتفاع أسعار الأسماك. يجلس هذا الشاب البالغ من العمر 33 عامًا، ساعات طويلة تحت أشعة الشمس يروّج لبضاعته، لكنه لا يجد إقبالًا يُذكر.
حرب الإبادة التي بدأتها (إسرائيل) في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تستثنِ قطاع الصيد في غزة، فقد تعمّد جيش الاحتلال استهدافه وتدميره.
يضيف حسونة لصحيفة "فلسطين": "قبل الحرب كنت أشتري الأسماك من الصيادين بكميات كبيرة وأنواع مختلفة، أما الآن فلم أعد قادرًا على شراء سوى القليل منها وبيعها لتحصيل قوت عائلتي".
أما أسعار هذه الأسماك، فقد وصلت أرقامًا فلكية، إذ يتجاوز ثمن الكيلو الواحد من "البوري" 350 شيكلًا، فيما كان يتراوح قبل الحرب بين 30 و35 شيكلًا، وكذلك أنواع أخرى مفضلة لدى سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني ومئتي ألف نسمة.
يتابع حسونة: "أشعر بالخجل عندما أعرض أسماكًا بأسعار مرتفعة لا تناسب المواطنين، لكنني مجبر على ذلك. أشتريها بثمنٍ باهظ من الصيادين وأبيعها بسعر مرتفع أيضًا".
وعلى مقربة منه، عرض خليل حجو، صاحب مسمكة في سوق مخيم الشاطئ، أنواعًا مختلفة من الأسماك، لكن بكميات قليلة، سعيًا منه لتلبية رغبات الزبائن، إلا أن الإقبال على الشراء ضعيف للغاية، كما يقول.
يضيف: "الأسماك تضاعف ثمنها بشكل جنوني. تخيّل أن يصل سعر الكيلو الواحد من سمك (البذرة – السردين الصغير) إلى 80 شيكلًا بدلًا من شيكل واحد فقط".
ويتابع: "المواطنون يرغبون في تناول السمك بشدة، لكنهم غير قادرين على شرائه، بسبب الكميات القليلة التي يخرجها الصيادون من البحر، والمخاطر التي يتعرضون لها أثناء الصيد بفعل الاستهداف الإسرائيلي".
يكمل حديثه: "غالبية الصيادين لم تعد لديهم معدات للصيد، فقد دمّرت الحرب قواربهم وشباكهم وأفقدتهم مصدر دخلهم الوحيد".
يقول أمجد الشرافي، أحد الصيادين القدامى: "لم يتبقَّ لدينا شيء. فقد دمّر جيش الاحتلال أربعة قوارب كنت أملكها أنا وأشقائي، وعملنا بها سنوات طويلة في صيد الأسماك".
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "حتى من يملك قاربًا، يعمل مجازفًا بحياته مقابل لقمة عيش لا تكاد تسدّ رمقه".
أما المواطن عبد الله مقداد، الذي اعتاد شراء الأسماك لعائلته أسبوعيًا، فيؤكد أنه لم يدخلها بيته أو يتناولها منذ بداية الحرب، بسبب ندرتها وارتفاع أسعارها.
إبان حرب الإبادة، قصف جيش الاحتلال رصيف ميناء الصيادين وقسّمه إلى نصفين، كما استهدف القوارب بشكل مباشر وأغرقها في عرض البحر، وفق المتحدث باسم وزارة الزراعة، المهندس محمد أبو عودة.
وأكد أبو عودة لـ"فلسطين" أن بحرية الاحتلال تمنع الصيادين من الإبحار في عرض البحر والوصول إلى مناطق الصيد المعروفة، وتلاحقهم أيضًا عندما يمارسون الصيد في المناطق الشاطئية.
وبحسبه، بلغ عدد قوارب الصيادين قبل الحرب نحو 2000 قارب، منها 1100 تعمل بالمحركات و900 بالمجاديف، وقد دمّر جيش الاحتلال 1800 منها على الأقل، فيما استشهد أكثر من 200 صياد، بينهم عشرات قضوا أثناء ممارستهم الصيد خلال الحرب.
يعكس الارتفاع الباهظ في أسعار الأسماك كارثة مشتركة بين الصيادين والتجار والمواطنين، إذ يعيشون جميعًا ظروفًا مأساوية بسبب الحرب وما رافقها من حصار مطبق ومجاعة، تركت تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية. ولم تعد آثار هذه الحرب تقتصر على الدمار المادي فحسب، بل امتدت لتمسّ أمن الناس الغذائي أيضًا.