أخبار اليوم - "كان بدّه يطعِم أهله، مش رايح يقاتل... بس الدبابة ما فرّقت"، بهذه الكلمات المخنوقة بالحزن بدأت أم محمد الكفارنة، زوجة عم الشهيد جمال الكفارنة (20 عامًا)، روايتها عن اللحظات الأخيرة في حياة الشاب الذي خرج صباح الجمعة 9-5-2025 بحثًا عمّا يسدّ رمق عائلته، فعاد جثمانًا ممزقًا.
تحكي أم محمد وهي تحاول أن تتماسك بعد ما مرّت به هي وأبناؤها مع جمال، الذي توجّه صباحًا برفقة ابنها محمد إلى أراضٍ زراعية جنوب غرب حي تل الهوى، لجمع بعض أوراق العنب لطهوها، بالإضافة إلى بعض الأخشاب لاستعمالها في الطهي، بعد نفاد غاز الطهي لديهم.
"كنا نريد جمع ما يكفي لطهو وجبة (دوالي) لنجتمع حولها، فهي أكلة محبوبة ونادرة في هذه الأيام التي نعيش فيها حرب الإبادة والجوع والرعب والقلق على كل شيء، خاصة الطعام، لذلك خرجتُ برفقة جمال ومحمد لمساعدتهما في جمع ما يلزمنا لتحضير هذه الوجبة"، تقول أم محمد لصحيفة "فلسطين".
وتضيف: "جمال إجا من دير البلح قبل 3 أيام، كان بدّه يغيّر جو عند محمد، وإحنا فرحنا فيه... بس الصبح، لما طلعوا، ما تخيلت إنهم رايحين بلا رجعة"، لافتة إلى أن جمال ومحمد لم يحتملا سلاحًا، بل حملا أكياسًا فارغة وسلالًا صغيرة وقلوبًا أنهكها الجوع والحرب.
في البداية لم يكن هناك أي خطر، وجمعنا كمية لا بأس بها من أوراق العنب، ولكن مدفعية الاحتلال كان لها رأي آخر، فأطلقت النار دون تحذير.
وأشارت إلى أنها كانت تجمع مع ابنتها بعض الأخشاب للطهي بعد نفاد الغاز لديهم بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر، حين فوجئت بأصوات انفجارات قوية قريبة منهم، ما دفعهم لترك كل شيء بعد دوي قذيفة وإطلاق نار مستمر من طائرة "كوادكوبتر"، ليتجمّد قلبها.
دبابة إسرائيلية رصدت الشابين وأطلقت عليهما قذيفة مباشرة، فاستشهد جمال في لحظتها، بينما نجا محمد بأعجوبة.
تقول أم محمد: "ما صدقت لما شفت محمد راجع بيبكي وبيصرخ: (يما، جمال مات)، ما عرفت شو أعمل، ركضت، وما كان إلنا غير الله. كنت أمشي وأنا شايلة هم: كيف بدي أبلغ أهل جمال في دير البلح؟ كيف بدي أقول لأمه إنه راح؟ كان عندي أمانة ورجّعتها شهيد".
تشير أم محمد إلى أن الحرب لم تقتل فقط الأرواح، بل قتلت حتى أحلام الفقراء بوجبة بسيطة في يوم عطلتهم.
"كنا بس بدنا صحن دوالي. حلم بسيط صار ثمنه روح. الاحتلال حاصرنا وجوّعنا، وحتى لقمتنا ما تركنا ناكلها"، تضيف بحسرة.
وتقول: "ما في طعام، وما في غاز، وما في وسيلة طهي، شبابنا صاروا يطلعوا للمناطق الخطيرة مش بس ليجمعوا أكل، حتى يدوروا على خشب يوقدوا فيه النار... حتى نار الطبخ صارت مغامرة".
تحاول أم محمد أن تخفي غضبها الممزوج بالعجز: "ما خلونا نأخذ جثته، الجنود ظلوا يراقبونا حتى ابتعدنا عن المكان، ورغم محاولاتنا إحضاره، طائرات الاحتلال كانت تطلق النار على كل من يقترب".
تصرخ وكأنها تُحاكم العالم: "جمال ما كان مسلّح، ما كان معه غير حبّة أمل يطعِم أهله. قتلوه لأنه جاع، لأنه حاول يعيش. الحرب هاي مش بس قنابل، هاي حرب على الخبز، على الزيت، على ورقة العنب".
في غزة اليوم، أصبحت أبسط ضروريات الحياة مخاطرة قد تكلّف الحياة. في ظل إغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء وغاز الطهي، بات الأهالي يعتمدون على النار المكشوفة لطهو ما توفر من طعام، ويخاطر الشباب بالخروج إلى المناطق الزراعية أو المدمّرة بحثًا عن الحطب أو فتات ما تركه القصف.
وفي نهاية الحديث، تتنهّد أم محمد وتقول: "كانوا بدهم يفرحونا بصحن دوالي... بس الجمعة هاي صارت عزاء، ومكان السفرة فاضي".
المصدر / فلسطين أون لاين