بسبب ضيق الأماكن نازحو غزة ينصبون خيامهم داخل المقابر

mainThumb
بسبب ضيق الأماكن نازحو غزة ينصبون خيامهم داخل المقابر

18-05-2025 03:28 PM

printIcon

أخبار اليوم - بعد أن استأنف الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة مطلع آذار/مارس الماضي، طلب من سكان العديد من الأحياء الشرقية من قطاع غزة النزوح إلى غرب المدينة، حيث العملية العسكرية تتركز حاليا في أحياء الشجاعية والتفاح والدرج. خرج السكان ونصبوا خيامهم في الطرقات وما يتوفر من مساحات فارغة، لكن نتيجة الأعداد الكبيرة من النازحين، لم يعد هناك من متسع لآلاف المشردين، وأجبروا على نصب خيامهم في المناطق الفارغة داخل المقابر وبين الأموات.


وتفتقر غزة للمساحات بسبب الاكتظاظ السكاني الكبير في المدينة على غرار مناطق وسط وجنوب القطاع، التي تعتبر مناطق زراعية وفيها مساحات فارغة وكبيرة، لذلك لم يجد المشردون مساحة بعد أن امتلأت المدارس والمراكز الصحية والبيوت المهجورة بالنازحين، فاضطر المئات من المواطنين إلى التوجه للمقابر ونصب خيامهم في المساحات الفارغة بجانب الأموات.


وتشهد مناطق النزوح القسري غرب غزة كباقي مناطق القطاع تكدسا كبيرا في إعداد النازحين، وسط افتقار لكل مقومات الحياة وشح كبير في المواد التموينية. وتؤكد المنظمات الأممية بسبب استمرار القصف على كافة مناطق القطاع، أنه لا توجد أي منطقة آمنة يمكن للسكان الانتقال إليها، وقد حذرت من زيادة الأوضاع الإنسانية والصحية سوءا بسبب نقص المواد الطبية والتموينية.

العيش بجانب الأموات

داخل مقبرة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، حيث تنتشر داخل أسوار المقبرة وخارجها مئات الخيام التي تعود لمواطنين نزحوا من حي التفاح وبيت حانون إثر القصف والتوغل البري، يتسابق المواطنون على حجز أمكنة لهم داخل أسوار المقبرة وخارجها، إلى حين إيجاد حلول وانسحاب الجيش الإسرائيلي من أماكن سكناهم، ومن ثم العودة إلى منازلهم وإن هدمت ينصبون الخيام على أنقاضها.


محمود حسونة أجبر على النزوح تحت وابل القصف الجوي والمدفعي من حي التفاح شرقي مدينة غزة برفقة أسرته إلى غرب المدينة، وعندما وصل لم يجد متسعا لنصب خيمة تقي أسرته من برد الليل وأشعة الشمس الحارقة خلال النهار، فبعد أن بذل جهدا في البحث عن مكان آمن ولم يجد، أجبر على نصب خيمته بجانب سور مقبرة الشيخ رضوان مع عدد من خيام المواطنين المشردين.


يقول لـ«القدس العربي»: «كان قرار العيش بجانب الأموات من أصعب المواقف التي مرت علي في حياتي، لكن عدم توفر المساحات وصعوبة استئجار منزل بسبب التكلفة العالية، أجبرني على العيش بجانب الأموات، وتمكنت من إقناع أفراد أسرتي على ضرورة العيش هنا، لعدم وجود بدائل رغم رفضهم القاطع للعيش بجانب القبور».


وبين أن «الوضع الذي نحن عليه مأساوي للغاية، فكيف للإنسان أن ينام وهو على قيد الحياة بجانب الأموات؟» واصفا حلول الليل بالأمر المرعب والمخيف، حتى أن أفراد عائلته يعانون من الجوع والخوف من شدة القصف ومجاورة الأموات، لكن «لا حل رغم أنني أواصل البحث عن مكان بديل ولم أجد».


ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن ما يقارب 240 ألف مواطن فروا من المناطق الشرقية من القطاع إلى غرب المدينة، نتيجة القصف وتعمد الاحتلال الإسرائيلي قتل المدنيين وتهجيرهم، ويعيش هؤلاء في ظروف صعبة لا يمكن وصفها، في ظل انعدام النظافة والخدمات الأساسية، إلى جانب تفشي الجوع والأمراض بينهم، نتيجة استمرار الاحتلال إغلاق المعابر وصعوبة الحصول على الطعام، حيث أن مباغتتهم من قبل الاحتلال بالقصف، وإجبارهم على الفرار حالا دون حمل أمتعتهم وطعامهم.

شهداء جميعا مع فرق التوقيت

رامز موسى لم يعطه الاحتلال الفرصة في نقل أكياس الدقيق وبعض من المعلبات خلال نزوحه من منزله شرقي بلدة بيت حانون، بعد أن قامت المدفعية بقصف المنطقة التي يسكنها واضطر إلى الهروب دون حمل أمتعته خوفا على حياته وأفراد أسرته، ووصل إلى مقبرة الفالوجا غرب مدينة غزة ونصب خيمة داخل مساحة لا تتعدى 15 مترا.


يقول لـ«القدس العربي»: «قبل الحرب كنا نخاف عندما ندخل المقابر لدفن الأموات، لما في ذلك من رهبة وخوف، لكن بعد ما ألم بنا من قتل وتشريد ونزوح هنا وهناك، لم يعد هناك فرق سواء عشنا بين الأحياء أو الأموات، فنحن شهداء جميعا مع فرق التوقيت، في أي لحظة يفقد الإنسان في غزة حياته، في ظل استمرار الحرب والقصف الإسرائيلي المتواصل للمنازل والطرقات وكل شيء في غزة.


ويشير إلى أن أصعب شيء يواجهه خلال عيشه داخل المقبرة، هو عثور أطفاله على عظام وجماجم الأموات خلال لعبهم بين القبور والحفر، و«المؤسف عندما يأتي طفلي وهو يحمل قطعة من العظم ويسألني شو هذا يابابا، فكيف أجيبه وأقول له هذه عظمة إنسان مثلك وهنا تقشعر الأبدان، حتى خلال محاولة زرع أوتاد الخيمة، استخرجت من الأرض عظاما وكان هذا الأمر مفزعا وخطيرا، لكن مجبر على هذا الواقع لعدم توفر بدائل».


ويضيف «منذ أن عدت من الجنوب بعد رحلة النزوح التي استمرت لأكثر من عام، لم أعد أفكر بتاتا بالنزوح نحو الجنوب مهما حصل، فعندما طلب الاحتلال سكان شرق غزة بالنزوح، كان قرار المواطنين عدم النزوح إلى الجنوب بل إلى مناطق غرب غزة، وكان على كثير من المواطنين الجلوس داخل المقابر وخارج أسوارها وعدم التوجه جنوبا».


ويزداد خوف وقلق الناس في غزة من التصريحات الإسرائيلية، التي تشير إلى قرب تنفيذ الاحتلال عملية عسكرية شاملة في القطاع وتهجير السكان نحو مدينة رفح، التي يعمل الاحتلال على مسحها وتجهيزها لاستقبال المدنيين كخطة للقضاء على وجود حماس في القطاع، إلى جانب الحديث المتزايد عن خطة لتوزيع المساعدات بدءا من مدينة رفح، وهذا ما زاد من إحباط المواطنين مع اشتداد المجاعة، وتعرض عدد من كبار السن والأطفال إلى الموت بسبب سوء التغذية.


ويواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، حيث يتعمد منذ بدء الحرب الضغط على المدنيين، من خلال تجويعهم ودفعهم نحو التهجير القسري، وبعد توقف الحرب لأسابيع قليلة إثر الهدنة المؤقتة نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، والسماح لسكان غزة بالعودة إلى ديارهم، يعود الاحتلال من جديد إلى دفع المواطنين إلى النزوح غرب مدينة غزة، مهددا بإعادتهم مرة أخرى إلى جنوب القطاع تحت حجج أمنية واهية، يهدف من خلالها إلى تفعيل خطة التهجير الطوعي للسكان من غزة.