أحياء تُدفن بساكنيها .. التَّطهير العرقيُّ يتمدَّد في غزَّة

mainThumb
أحياء تُدفن بساكنيها... التَّطهير العرقيُّ يتمدَّد في غزَّة

19-05-2025 10:06 AM

printIcon

أخبار اليوم - "لا معالم للمنزل، لا جثث، لا دماء… كأن عائلة الزيناتي لم تكن". بذهول، وصف رجل دفاع مدني مشهدا صادما في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، ضمن نتائج تصعيد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه هذا الأسبوع.

لكن هذه المجزرة ليست استثناء، بل هي جزء من نمط متكرر لتطهير عرقي، يستهدف محو الوجود الفلسطيني من جذوره. من بيت حانون إلى رفح، يقصف الاحتلال المنازل على رؤوس ساكنيها، ويبيد عائلات كاملة من دون سابق إنذار، لتشطب من السجل المدني.

ويتصاعد خطر التطهير العرقي مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي بدء عملية عدوانية عسكرية جديدة في غزة، وسط جريمة تجويع وتعطيش بأهداف معلنة تتلخص في الإبادة والتهجير القسري.

وفي 16 مايو/أيار، روى أحد رجال الدفاع المدني في مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم، تفاصيل مرعبة عن مجزرة استهدفت منزل عائلة الزيناتي في مخيم جباليا: "أغارت طائرات الاحتلال الصهيونية على منزل مكون من طابقين لعائلة الزيناتي. المنزل دفن تحت الأرض لا توجد له معالم ولا للجثامين ولا دماء. هذه الصواريخ غير تقليدية ولا نعرف ما نوعها. هذا قمة الإجرام. المنزل كان ممتلئا بالمواطنين لكن لم نجد أحدا منهم".

وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغ عدد العائلات التي أبادها الاحتلال بالكامل منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى مطلع 2025 ما يُقدر بـ 1,410 عائلات استشهد جميع أفرادها دون أن ينجو أحد.

إلى جانب ذلك، هناك 3,463 عائلة استشهد جميع أفرادها باستثناء فرد واحد، و2,287 عائلة نجا منها فردان فقط.

بذلك، يصل مجموع العائلات التي تأثرت بشكل كامل أو شبه كامل إلى 7,160 عائلة، في كارثة إنسانية غير مسبوقة.

لكن ما يجري في غزة منذ أكثر من عام ونصف لا يختزل بلغة الحرب أو أرقام الضحايا فحسب، بل هو تجسيد واضح لمفهوم "التطهير العرقي" كما عرفه القانون الدولي: قتل جماعي، وتهجير قسري، وتدمير مقصود للبنية السكانية، وغياب أي رادع دولي.

تحليل ديموغرافي

حتى تاريخ 17 مايو/أيار 2025، أفادت وزارة الصحة في غزة بأن حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي بلغت 53,119 شهيدا و120,214 مصابا، معظمهم من النساء والأطفال.

وتشير التقارير إلى أن عدد الاستشهاد نتيجة الجوع في غزة يقارب 57 حالة مؤكدة، معظمهم من الأطفال، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، ويصل بحسب تقديرات غير رسمية إلى أكثر من 62 حالة، استنادًا إلى تحليل أجرته مؤسسة واتسون التابعة لجامعة براون، والذي يعتمد على بيانات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

وبالنظر إلى عدد سكان قطاع غزة قبل الحرب، والذي كان يُقدر بحوالي 2.3 مليون نسمة وفق الجهاز المركزي للإحصاء، فإن ما نسبته 2.31% من السكان قد استشهدوا، و5.23% أُصيبوا، لتصل نسبة الضحايا الإجمالية إلى نحو 7.54% من إجمالي عدد السكان.

وفي بيان صدر في 15 مايو/أيار، يقول المفوض الأممي لحقوق الإنسان فولكر تورك: "إن حجم المعاناة الإنسانية في غزة مروع. مع استمرار الهجمات على المناطق المدنية المأهولة، ومنع دخول المساعدات، ونزوح مئات الآلاف، فإن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يظل صامتا... ما نشهده الآن قد يرقى إلى تطهير عرقي، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي، ويجب التحقيق فيه ومحاسبة المسؤولين عنه".

قتل جماعي ممنهج

المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة الرائد محمود بصل، يقول: "من خلال متابعة الأحداث والواقع الموجود كل الأدلة تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسة التطهير العرقي بالقتل المنهجي واستهداف المنازل المأهولة بالسكان بشكل كبير جدا حتى أن كثيرا من العائلات في غزة قد مسحت من السجل المدني بشكل كامل ولم يبق أحد من أفرادها".

ويضيف بصل لصحيفة "فلسطين": "خلال عمليات الانتشال والإنقاذ تجد أن عائلات استشهد منها أكثر من 50 في ضربة واحدة. مثلا عائلة الغول أكثر من 113 شهيدا في ضربة واحدة في منزل واحد".

كما يشير إلى توثيق مجازر جماعية أخرى، منها إعدام أكثر من 700 شخص في حي الشجاعية في ديسمبر 2023، وارتقاء 500 شهيد في عمارات التاج بمنطقة الجلاء، واستشهاد 500 آخرين في استهداف المستشفى الأهلي العربي "المعمداني".

ويؤكد أن الاحتلال يستهدف فرق الإنقاذ والمواطنين الفارين من الموت، قائلا: "الاحتلال لا يريد أي مجال للحياة لأي مواطن. حتى الفرق الطبية التي تحاول أن تنقذ الناس يستهدفها الاحتلال... في منطقة السلاطين، أطلقت طائرة مسيرة صاروخا أمام مركبة إسعاف وآخر خلفها لقطع الطريق عليها".

وتعقيبا على انعقاد القمة العربية في بغداد تزامنا مع تصعيد حرب الإبادة، يقول بصل: "كل الدنيا تستنكر ما يجري في قطاع غزة، لكن على أرض الواقع هل حدث أي شيء؟ للأسف لا. القمة العربية ما ينتج عنها كلها قضايا استنكارية فقط لا غير... زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تزامنت مع تصعيد أدى إلى أكثر من 400 شهيد. الواقع الدولي شيء، ونحن نعيش شيئا آخر".

إبادة معلنة

من جهتها، تقول مديرة الإستراتيجيات في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني: "منذ اليوم الأول للإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، كان واضحا جدا أنها تهدف إلى محو سكان غزة أو تهجيرهم بشكل كامل، وبالتالي تطهير عرقي".

وتضيف الحسيني لصحيفة "فلسطين": "لم تكن الأفعال فقط هي الدليل، بل حتى التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي دعت إلى إبادة السكان وتهجيرهم... واليوم نرى ترجمة لذلك في شمال القطاع وجنوبه، من خلال المناطق العازلة التي تتوسع كل يوم".

وتؤكد أن المشكلة لدى قادة الاحتلال ليست في تنفيذ التهجير، بل في إيجاد دول تستقبل السكان، في إشارة إلى تصريحات مباشرة من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.

وفي الثاني من مارس/آذار، انقلبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، بإغلاق المعابر المؤدية إلى القطاع ومنع دخول المساعدات الإنسانية. وفي 18 من الشهر ذاته، استأنفت حرب الإبادة الجماعية عسكريا.

وبينما يمحو الاحتلال العائلات من الوجود، ويحول المنازل إلى مقابر جماعية بلا خطوط حمراء، يظل سؤال أخلاقي واحد يواجه البشرية: كم من الموت نحتاج لوضع حد للتطهير العرقي في غزة؟



المصدر / فلسطين أون لاين