أخبار اليوم - إربد حمزة علي الربابعه
في أعماق غابات لواء الكورة، وبين ظلال السنديان والبلوط، ترقد مغارة برقش بصمت مهيب، كجوهرة طبيعية مطمورة، أُغلقت منذ أكثر من خمسة أعوام، تاركة خلفها سؤالًا كبيرًا يتردد بين أروقة البيئة والسياحة والهوية الوطنية: متى تعود الحياة إلى هذا المعلم الفريد؟
مغارة برقش، أو “الظهر”، كما يسميها أهالي المنطقة، ليست مجرد تجويفٍ صخريّ، بل متحفٌ جيولوجيّ نادر، خطّته الطبيعة بأناة منذ أكثر من 35 مليون سنة، ونحتت داخله صواعد ونوازل كلسية بألوانٍ وأشكال تخطف الأبصار. تتماهى تشكيلاتها البديعة مع الخيال، وتُضاهي في روعتها أشهر المغارات العالمية، مثل جعيتا في لبنان.
ورغم ما تحمله من جمال مدهش وقيمة بيئية وسياحية عالية، فقد أُغلقت المغارة في وجه الزوار منذ عام 2020، بعد أن كانت مشروعًا واعدًا للسياحة البيئية. ذلك الإغلاق الذي كان في ظاهره إجراءً للحماية، تحوّل بمرور الوقت إلى عزلة قاتلة لموقعٍ كان من الممكن أن يكون رئةً تنفس بها السياحة الداخلية، وموردًا تنمويًا للمجتمع المحلي.
لقد مرّت خمسة أعوام عجاف على هذا الصرح الطبيعي، دون خطة واضحة للتأهيل أو إعادة التشغيل، رغم النداءات المتكررة من أبناء المنطقة والمهتمين بالشأن البيئي والتراثي. ووسط هذه العزلة، يخشى كثيرون من تدهور حالة المغارة بفعل الإهمال، وحرمان الأجيال من كنز وطنيّ لا يتكرر.
يقول أحد وجهاء المنطقة: “مغارة برقش ليست مجرد مغارة، بل شاهد على التاريخ الطبيعي للأردن، ولو كانت في دولة أخرى، لجعلت منها وجهة عالمية”. ويضيف آخر: “نطالب بإعادة فتحها ضمن معايير حماية صارمة، بدلًا من تركها فريسة الزمن”.
وفي وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى تنشيط السياحة الداخلية وتعزيز الهوية البيئية، تبدو مغارة برقش فرصة ذهبية ضائعة، تحتاج إلى إرادة جادة، وخطة مدروسة توازن بين الحماية والتنمية، وتعيد إلى هذا الكنز الطبيعي الحياة التي يستحقها.
لقد آن الأوان لفتح هذا الباب الحجري مجددًا، لا فقط أمام الزوار، بل أمام رؤية تنموية تؤمن بأن الطبيعة ليست مجرد جمال ساكن، بل مورد حيّ يجب أن يُحتضن، لا أن يُغلق في وجه الحياة.