​​​​​​​"ليسوا أرقامًا" .. "ضحى" "عادت للحياة" لتروي حكاية أطفالها الشهداء

mainThumb
​​​​​​​"ليسوا أرقامًا".. "ضحى" "عادت للحياة" لتروي حكاية أطفالها الشهداء

23-05-2025 05:34 PM

printIcon

أخبار اليوم - كان اليأس من بقائها حية سيد الموقف، لكنها استيقظت من غيبوبة كادت أن تأخذها إلى الأبد. شعرت ضحى الصيفي، الأم لأربعة أطفال، بجسدها مثقلا، وفكها لا يتحرك، وصوتها غائب. لا تعرف ماذا حدث، ولا لماذا يهمس من حولها بشفاههم: "اتشاهدي يا ضحى... سامحينا".
حاولت أن تسأل عن أولادها، لكن صوتها كان غائبا. بالكاد حركت يدها، وكتبت على لوح صغير: "أولادي بخير؟". جاءها الرد مبللا بالدموع: "عصافير بالجنة".

تحاملت ضحى (32 عاما)، على نفسها، وكتبت: "الحمد لله... راضية"، وبعد شهر من مجزرة غيرت مسار حياتها، ترفع الأم المكلومة راية الحقيقة: أطفالي، ليسوا أرقاما".

7 أرواح بلحظة واحدة

كان عيد الفطر 2025 على عكس ما تتمناه ضحى. أرادت أن تفرح أولادها: "زينا زي أي حدا بالعيد، قررنا نروح زيارة لاختي النازحة بمدرسة دار الأرقم بغزة".

عندما اتصلت بأختها أخبرتها الأخيرة أن "الوضع صعب"، لكن ضحى أصرت، وأرادت أن ترى أختها وتسعد أولادها الذين كانوا متشوقين لخالتهم.

أعدت لهم سفرة عيد بسيطة، تقول لصحيفة "فلسطين": "بالعادة بحشي ساندويشات، لكن هالمرة قررت أعملهم سفرة... وما كنت أعرف إنها آخر سفرة بتجمعنا". أخذت معهم دراجة أسامة، طفلها الأصغر، ليلعب بها.

تضيف: "الطلعة كانت معترسة... كنت بدي ألغيها، بس ما رضيت أكسر فرحتهم".

وصلوا المدرسة، استقبلتهم أختها في "المنورة". نزلت، ضمتها، وسلمت على بناتها. قدمت لها عصير كركديه، واحتفلوا بالعيد. نزل الأطفال إلى الساحة، يركضون ويضحكون.

ابنها نور جاءها يقول إن طفلا كسر شباك السيارة. ضحكت، وطلبت من ريتال أن ترمي لها خمسة شواقل، أعطتها للطفل، وقالت له ممازحة: "شاطر، بس لا تلعب بالسيارة".

لحظات بعد ذلك، كان نور في طريقه ليشرب الماء بالصف. أسامة يلهو على دراجته في الممر. أما ضحى، فكانت جالسة مع أختها وبناتها الثلاث وابنتها ريتال وابنة حماها.

فجأة، لمع وميض، تلاه صوت قصف.

تقول: "أول إشي خطر ببالي أسامة، بدي أروحله، بس ما قدرت. رفعت إصبعي وتشاهدت: اللهم استرني فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك".

استهدفت الغارة المدرسة مباشرة. لاحقا أخبروها أنهم وجدوها في ساحة المدرسة. تقول ضحى: لم أشعر أنني طرت من الصف، وكأن الملائكة حملتني دون ألم.

فقدت في الغارة: أطفالها ريتال أبو سنينة (13 عاما)، ونور الحق أبو سنينة (10 أعوام)، وأسامة أبو سنينة (4 أعوام)، وشقيقتها وبناتها الثلاث.

تقول: "سبعة راحوا بلحظة... كنت معهم وما قدرت أحميهم".

ضحى.jpg

ابنها سيف الحق (12 عاما) نجا بأعجوبة. كان يلعب مع ابن خالته محمد. أصيب محمد، وكذلك أصيب رفيقهم الآخر بإصابات بالغة، لكن سيف خرج برضوض.

أما ضحى فنقلت وقتها إلى المستشفى المعمداني بغزة، ووضعت في البداية على قائمة الشهداء. كانت فاقدة للوعي، ووجهها مشوه بالكامل.

أصر زوجها وأهلها أن يحاول الأطباء إنقاذها. بعد العمليات، علمت أنها فقدت فكها السفلي، وأسنانها، وأُصيبت بيدها اليسرى إصابة بالغة، كما فقدت السمع بأذنها اليمنى وجزئيا باليسرى.

أُدخلت غرفة العمليات، وقيل لعائلتها إنها لن تصحو من البنج، وستفقد النطق لفترة طويلة. بقيت على الأجهزة ٢٠ يوما، لا تأكل ولا تشرب قبل أن ترفع عنها وتعود للحياة بـ"معجزة". وبعد ٢٥ يوما، استردت صوتها.

خضعت لعدة عمليات، منها: عمليتان في اليد من ضمنها زراعة رقعة بيدها من البطن، وتركيب شريحة في الفك، وعلاج طبيعي مستمر للفك واليد، بينما ما زالت تعاني من كسور وعظام مفقودة في يدها.

والآن تتطلب حالتها الصحية السفر للعلاج بالخارج، بما يشمل زراعة عظام وأسنان وعمليات تجميلية.

رسائل أخيرة

لا تزال ضحى ترى أمام ناظريها ذكريات لا تنسى، تماما كأنها لا تزال تحتضن أطفالها الشهداء الثلاثة بين ذراعيها.

تقول: "اللي بعرفني بعرف إني كنت مكرسة حياتي إلهم. كنت الأم، والأخت، والصديقة، وكل إشي. وما حدا كان يصدق إني ممكن أستوعب استشهادهم، لكن هذا فضل من ربنا، مش شطارتي".

من الذكريات والرسائل الأخيرة، ما قالته ريتال، في أول يوم العيد، لصديقاتها: "العيد الجاي حيكون أحلى، أنا وأسامة بنكون بالجنة".

ورغم بشاعة حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومنها نزوح عائلة ضحى قسرا ٢٠ مرة داخل مدينة غزة، كانت ريتال ترفض التهجير القسري وتقول لأمها: "أنا مش خاينة لوطني".

أما نور، فقال لصاحبه: "أنا حستشهد الله يرحمني يارب. وإذا اشتقت لماما، حقول لربنا يجيبلي ياها".

تقول ضحى: "كانوا يسألوا كتير عن الجنة آخر فترة. كانوا استثنائيين، ومتعلقين ببعض كتير. أنشطتهم وفعالياتهم كلها مع بعض".
بينما أسامة الذي ذهب أسبوعا واحدا فقط إلى الروضة، خلال وقف إطلاق النار بغزة، لم يتمكن من إكمال مسيرته في الحياة، أو التعليم.

"نجوت لأحكي حكايتهم"

دفن أسامة دون رأس بسبب فظاعة الغارة، بينما ريتال لم يعثر أهلها سوى على جزء من يدها اليمنى فقط، أما نور فكان جسده كاملا.

"أنا ما متت... بقيت لأوصل صوت أولادي. ليعرف العالم إن أطفال غزة مش أرقام. أطفالنا عندهم أحلام وطموحات، زي كل أطفال العالم، ويمكن أكتر. أطفالي كانوا حياة... وكانوا وطن"، تقول ضحى التي تمتهن الصحافة.

ثم بصوت خافت، لكنها متماسكة، تتمم: "أطفالي لساتهم أحياء... في قلبي، وفي كل حكاية بقولها عنهم".

المصدر / فلسطين أون لاين



news image