أخبار اليوم - في سوق أبو إسكندر الشعبي شمال غرب مدينة غزة، يتنقل الستيني إبراهيم خضير، بين البسطات باحثًا عن شيء يسد به جوع أطفاله السبعة، فالأسعار نار، والبدائل معدومة، والواقع أكثر قسوة مما يمكن تخيله.
لم تعد المسألة أزمة إنسانية فحسب، بل دخلت غزة مرحلة "الإنذار الأحمر" كما وصفها برنامج الأغذية العالمي، حيث 71 ألف طفل يواجهون خطر الموت نتيجة سوء التغذية الحاد.
ويقول خضير، الذي دُمّر منزله في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، مع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023م: إن سلاح الاحتلال هذه المرة هو الجوع، وإن هدفه ليس فقط قتل الأجساد، بل تفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل بزرع الخوف والانقسام.
ويضيف خضير، الذي بدي الانهاك ظاهرًا على وجسده، بأسى، لمراسل صحيفة "فلسطين": منذ 19 شهرًا ونحن نعيش تحت حصار مشدد، أصبح الحصول على كيلو طحين أو عدس حلمًا.
وبين أن سعر كيلوجرام الدقيق وصل لـ95 شيكلًا، أما الأرز فبلغ 80 شيكلًا، والعدس الأحمر 50 شيكلًا، والخضار ارتفعت لأسعار خيالية فالبندورة بـ55 شيكلًا، والخيار والباذنجان بـ45 شيكلًا، مردفًا هذه الأسعار تؤكد أن الجوع أصبح السلاح الرئيسي بيد الاحتلال الإسرائيلي، في ظل صمت دولي مخجل.
وكان برنامج الأغذية العالمي، دق ناقوس الخطر مؤخرًا، معلنًا أن قطاع غزة، دخل بالفعل مرحلة المجاعة، وأن أكثر من 71 ألف طفل باتوا مهددين بسوء تغذية حاد قد يودي بحياتهم في أي لحظة.
هياكل عظمية
وتروي اعتماد الأشقر، أم لخمسة أطفال، كيف فقد أولادها وزنهم حتى أصبحوا أشبه بـ"هياكل عظمية".
وتشير الأشقر لمراسل صحيفة "فلسطين" إلى كيلوا العدس الذي اشترته بـ50 شيكلًا، ثم دفعت 7 شواقل لطحنه لا يكفي سوى وجبة لأولادها في اليوم.
وتضيف: كل يوم أحاول إيجاد بديل جديد للخبز، مرة عدس، ومرة أرز، ومرة معكرونة، لكن ما يتوفر اليوم قد لا أستطيع شراؤه غدًا.
وتحذر الأشقر، من سياسة الاحتلال في منع دخول المساعدات بشكل منتظم، وتغذية جماعات مسلحة تعبث بالمساعدات لتصل إلى الأسواق لا إلى الجوعى.
وتحمل المجتمع الدولي المسؤولية كاملة عن السماح باستخدام الغذاء كأداة للإبادة، مطالبة بتحرك عاجل يوقف المجازر الغذائية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.
وسط كل هذا، يبرز فشل ما يُسمى بمؤسسة "غزة الإنسانية" التي أنشئت كبديل عن وكالة الأونروا تحت غطاء إنساني بينما هي في الحقيقة أداة أمنية استخبارية لتقويض العمل الإغاثي في القطاع.
ويشير كثير من المواطنين، ومنهم عزيز نوفل، إلى أن هذه المؤسسة لم تنجح لا في توزيع المساعدات، ولا في ضمان وصولها إلى المحتاجين، بل أصبحت جزءًا من سياسة الإذلال والتجويع.
وتحدث نوفل، تحدث عن رحلته الطويلة، مشيًا على الأقدام لمسافة 35 كيلومترًا، للوصول إلى مركز توزيع المساعدات في رفح، حيث واجه إطلاق نار من القوات الإسرائيلية.
وأضاف: إنهم قتلوا عشرات الأشخاص أثناء محاولة الحصول على مساعدات، متسائلًا بنبرة مرتفعة، هل هذا هو العمل الإنساني؟، أهكذا يقدم الطعام للجوعى؟.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن عدد ضحايا محاولات الوصول إلى المساعدات بلغ 110 شهداء و583 إصابة، معظمهم من المدنيين الجوعى، في واحدة من أكثر صور الاستخدام العلني للغذاء كسلاح ضد السكان.
جرائم إبادة
ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023م، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي جرائم تصنف دوليًا على أنها إبادة جماعية، خلفت أكثر من 175 ألف شهيد وجريح، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود، وسط دمار شامل للبنية التحتية والمنازل والمنشآت المدنية.
ومع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في مارس الماضي، اشتدت الضربات على المناطق الجنوبية من القطاع، في وقت لا يزال فيه سكان غزة ينزحون بلا توقف، دون مأوى، ودون غذاء، ودون دواء.
ويصف وائل الأطرش، لمراسل صحيفة "فلسطين" النزوح، بأنه لم يعد هربًا من القصف، بل بحثًا عن رغيف خبز.
ودعا الأطرش، الاحتلال الإسرائيلي، والدول الداعمة له وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية عن الحصار والتجويع الذي يمثل جريمة ضد الإنسانية.
ويلفت إلى أنهم وسط هذا الانهيار فلا بديل عن إعادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى كامل دورها الإنساني، ورفض أي بدائل تحت مسميات "مؤسسات إنسانية" تخفي أهدافًا أمنية.
وأمضى: المطلوب اليوم ليس فقط استئناف المساعدات، بل تحرك دولي حقيقي يوقف استخدام الغذاء كسلاح، ويفرض على الاحتلال احترام القانون الدولي الإنساني، ويضمن إيصال المساعدات إلى من هم بأمس الحاجة إليها دون إذلال أو انتقاص من كرامتهم.
كما يجب بحسب الأطرش، فتح المعابر بشكل دائم وآمن، دون تحكم الاحتلال أو وكلائه، وتأمين ممرات إنسانية فعالة تحت إشراف دولي محايد لإيصال احتياجات الغزيين بأمان.
ويشير المشهد في غزة، أننا أمام مجزرة غذائية، وشعب بأكمله يتعرض لـإبادة بطيئة عبر سلاح التجويع المتعمد، وبتجاهل المجتمع الدولي.
وأمام هذا الواقع، لا بد من موقف دولي واضح وقوي، يرفض سياسة الحصار والتجويع، ويضع حدًا لاستخدام الطعام كسلاح في وجه المدنيين.
ومنذ 18 آذار/ مارس الجاري، أعادت سلطات الاحتلال إشعال حربها الضروس، على قطاع غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس، كان قد دخل حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير 2025م، واستمر 58 يومًا، بوساطة قطرية ومصرية وبدعم من الولايات المتحدة.
ومنذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي جرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، أسفرت عن أكثر من 175 ألف شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، إلى جانب دمار واسع طال البنية التحتية والمنازل في القطاع.
المصدر / فلسطين أون لاين