د. حسن البراري
في كل مرة يشتعل فيها جدل سياسي أو إنساني، يظهر "مناضلو الكيبورد" ليعلنوا للعالم بطولاتهم خلف الشاشات. هؤلاء الذين لا تفارقهم لوحات المفاتيح، يعتبرون أنفسهم رأس الحربة في مواجهة الظلم، وإن كان أقصى ما يفعلونه هو كتابة منشور ناري على فيسبوك أو تغريدة حماسية على تويتر. ويا ويلنا إن عبر أحدنا عن رأي ناقد أو رأي مخالف! سيل من الاتهامات والفبركات والتشكيك، مكارثية مقيتة بكل ما تحمل الكلمة من معنى! لو اقتصر نضالهم على الدعم لفهمنا لأن كل عربي يدعم الفلسطينيين، لكن الانشغال في التحريض والتضليل ومحاولات نشر الفوضى كانت كلها أمور خارج نطاق النضال وتقودنا إلى مربعات أخرى بكل تأكيد.
لكن دعونا نسأل: أين هم من سفينة "مادلين" التي انطلقت من إيطاليا، مخترقة المياه الإقليمية، متحدية الحصار الإسرائيلي على غزة؟ ألم تكن هذه فرصتهم المثالية لتحويل كلماتهم إلى أفعال؟ أم أن الطائرة إلى إيطاليا كانت خارج ميزانية نضالهم الافتراضي؟
بالطبع، لم تفاجئنا دولة الكيان الفاشي باعتراضها للسفينة واختطافها، لكن ما أثار الانتباه هو تلك الناشطة الأجنبية التي تحدثت بجرأة بلغة إنجليزية صافية، دون أن تبدو مرتبطة بأي عرق أو دين. وقفت هناك على ظهر السفينة مرتدية جاكيت النجاة البرتقالي، تتحدث ضد الإبادة والتجويع، بينما العالم يستمع. ما من شك أن العالم يسمعها لأنها تجرأت على الفعل وليس لأنها انشغلت بالمزايدة على الآخرين من خلف شاشة أو من خلال الاقامة بفنادق السبعة نجوم.
والسؤال، هل يمتلك ثوار ومناضلي الكيبورد الجرأة على الخروج من "الوضع الآمن" المريح والالتحاق باسطول الحرية. وهل ينكر أحد أن الناشطة الأجنبية التي لا تتحدث العربية ولا تعرف تميز بين "الكُشري" و"الفلافل"، قدمت لغزة أكثر مما قدمته آلاف التغريدات المليئة بالمزايدات والتشكيك والتحريض؟!