أخبار اليوم - يدعو الباحث والكاتب الإسرائيلي جاك نيريا، جنرال في الاحتياط، إسرائيل إلى “إعطاء فرصة لأحمد الشرع“. ويعلل ذلك بالقول إن القائد الجديد (وما زال مؤقتًا) لسوريا، منذ سقوط نظام الأسد، في كانون الأول/ديسمبر 2024، بدأ مسارًا جديدًا في علاقات سوريا الخارجية، وبخلاف التوقعات والتقديرات، أطلق الشرع تصريحات فاجأت الباحثين، وكذلك السياسيين، في ما يتعلق بعلاقة النظام الجديد مع إسرائيل.
نيريا: الشرع يدرك تمامًا طبيعة العلاقة بين إسرائيل وبعض أفراد الطائفة الدرزية، وكذلك علاقاتها مع الأكراد، والإمكانات الكامنة في هذه العلاقات لزعزعة استقرار النظام في سوريا
نيريا، يهودي من أصل لبناني، عمل في الاستخبارات العسكرية كضابط وملحق جيش الاحتلال في فرنسا، يقول في مقال ينشره اليوم موقع القناة 12 العبرية، إن تصريحات الشرع التصالحية تجاه إسرائيل قوبلت ببرود وبشكوك كبيرة حيال نيّته الحقيقية. ويرى أن الحجة الأساسية تتمثل في كونه جهاديًا سابقًا، إذ كان عضوًا في “داعش”، وهو من مؤسسي جبهة النصرة (المنشقة عن “داعش”)، ومؤسس “هيئة تحرير الشام” التي سيطرت في السنوات الأخيرة على جيب إدلب في الشمال السوري، ونجحت في 8 كانون الأول/ديسمبر في إسقاط النظام الذي حكمته عائلة الأسد و”حزب البعث” ما يقرب من خمسين عامًا.
كما يرى نيريا أن التعامل الإسرائيلي المشكك والمتهكم يستند إلى مقولة النبي إرميا: “هل يغيّر النمر جلده؟”، وعن ذلك يضيف: “في الوقت الذي يستمر التشكيك في نيات الشرع في إسرائيل، فإنه يواصل إطلاق تصريحاته التصالحية.
ففي كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلن أن حكومته لن تسعى لصراعات، لا مع إسرائيل، ولا مع أي جهة أخرى، ولن تسمح باستخدام سوريا كقاعدة لأعمال عدائية من هذا النوع. نحن لا نريد تهديد أمن إسرائيل، ولا أمن أي دولة أخرى”.
اتفاق فصل القوات
ويقول نيريا إن الموضوع المتكرر في تصريحات الشرع كان التزام اتفاق فصل القوات (1974)، والتأكيد أن “سوريا ملتزمة باتفاق 1974″، داعيًا قوة مراقبي الأمم المتحدة “يوندوف” إلى “العودة إلى خط الفصل الأزرق”. كذلك، أشار الشرع مرارًا إلى أنه بعد سقوط نظام الأسد “لم يعد هناك ما يبرر للإسرائيليين قصف المنشآت السورية، أو التقدُّم داخل سوريا”.
ويضيف نيريا: “قال الشرع أيضًا إنه لا يوجد لإسرائيل أي سبب للاستمرار في إيذاء سوريا، وخصوصًا أن النظام الحالي يعارض إيران و”حزب الله”. إن عصر القصف على طريقة العين بالعين يجب أن ينتهي، فلا يمكن أن تزدهر أمة، سماؤها مليئة بالخوف”.
أمريكا تدفع نحو التطبيع مع سوريا
ويقول نيريا أيضًا إنه في الوقت الذي اختارت فيه إسرائيل الرسمية تجاهل تحركات الشرع، أعلن الأخير، في أيار/مايو 2025، أن حكومته تُجري “محادثات غير مباشرة” مع إسرائيل عبر وسطاء. والهدف المعلن من هذه المحادثات هو “تهدئة الأوضاع ومحاولة تحقيق الاستقرار كي لا تصل الأمور إلى مرحلة تفقد فيها الأطراف السيطرة”.
ويستذكر نيريا تقارير عربية وغربية بشأن لقاءات عُقدت في أذربيجان والإمارات بين ممثلين للطرفين. وفي الآونة الأخيرة، ذُكر أيضًا إجراء لقاءات في المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا، حيث مثّل الجانب الإسرائيلي رئيس شعبة العمليات في الجيش، بينما مثّل الجانب السوري محافظ السويداء.
كما يستذكر لقاء الشرع بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي دعاه للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، وتخلّل اللقاء تصريحات نُسبت إلى الشرع، جاء فيها أنه مستعد لمداولات أمنية. ويتابع نيريا: “فضلًا عن التصريحات الكلامية، بادر القائد السوري الجديد واتخذ خطوة فريدة في نوعها تهدف إلى بناء الثقة مع إسرائيل. ففي مطلع أيار/مايو 2025، تم نقل أغراض شخصية ووثائق وصور تتعلق بإيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي أُعدم في دمشق سنة 1965، إلى إسرائيل، وتشير التقارير إلى أن أحمد الشرع صادق شخصيًا على عملية النقل”.
التغيير السوري فرصة
ويمضي نيريا في نقد الموقف الإسرائيلي: “بينما نواصل في إسرائيل الإصرار على تسميته بــ “الجولاني” بدلًا من الشرع، ونتجاهل تحركاته تجاه إسرائيل، تُجري الولايات المتحدة ودول الغرب والدول العربية وتركيا اتصالات تهدف إلى إعادة إعمار الدولة السورية المدمّرة. وقد أحسنت الولايات المتحدة حين قررت رفع جميع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد، في حين وقّعت الإمارات عقدًا بمئات الملايين من الدولارات لإعادة تأهيل ميناء طرطوس”.
نيريا: في الوقت الذي يستمر التشكيك في نيات الشرع في إسرائيل، فإنه يواصل إطلاق تصريحاته التصالحية
ويشير إلى أن الولايات المتحدة أعلنت، في هذه الأيام، أنها لم تعد تعارض دمج 3500 جهادي في صفوف الجيش السوري الذي تتم إعادة تشكيله. كذلك، قررت سحب قواتها من حقول النفط المعروفة باسم “كونوكو”، لتمكين سوريا من استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية والحصول على إيرادات لخزينتها الفارغة.
ويعتبر نيريا أن هذه التصريحات، إلى جانب خطوات ملموسة، مثل إعادة أرشيف إيلي كوهين، تدل على تغيير إستراتيجي في اتجاه تخفيف التصعيد والانخراط المحتمل في ترتيبات مستقبلية، بعيدًا عن عقود من العداء العلني.
ويسعى لتبرير رؤيته بالقول إن الواقع الجيوسياسي يخلق اليوم تقاطع مصالح نادرًا بين إسرائيل وسوريا. فإسرائيل تسعى لمنع تسلل الجهاديين نحو هضبة الجولان، وهو سيناريو يحمل في طياته خطر تكرار “كارثة” 7 أكتوبر من هذه الجبهة، ولذلك فهي بحاجة إلى تعاون من النظام السوري الجديد.
ويقول نيريا إن الشرع، من جانبه، يدرك تمامًا طبيعة العلاقة بين إسرائيل وبعض أفراد الطائفة الدرزية، وكذلك علاقاتها مع الأكراد، والإمكانات الكامنة في هذه العلاقات لزعزعة استقرار النظام في سوريا.
ويخلص نيريا إلى القول: “من هذه الزوايا كلها، ونظرًا إلى السياسة الأمريكية التي تسعى لتحطيم المحور الإيراني عبر إنشاء بديل إقليمي بقيادتها، من الجدير بصنّاع القرار وراسمي السياسات في إسرائيل محاولة نسيان النبي إرميا، ومنح الفرصة لشيء مختلف، كما قال مناحيم بيغن”.