في غزة .. يشعلون البلاستيك والذكريات لمواجهة المجاعة

mainThumb
في غزة.. يشعلون البلاستيك والذكريات لمواجهة المجاعة

19-06-2025 11:11 AM

printIcon

أخبار اليوم - في أحد شوارع غزة المدمّرة، تتصاعد أعمدة الدخان من فرن طيني بنته أم رائد القايض. تقف الستينية فوق الرماد، تقلب قدرًا حديديًا فوق الحطب، بعدما عجزت عن تأمين الغاز منذ شهور. تقول بأسى: "ما في غاز، ما في كهربا، ما في حياة. الطبخ صار معركة يومية."

تجمع "أم رائد" كل صباح القش، والأغصان والأشجار الجافة من الأراضي الزراعية القريبة منها في حي الصبرة بغزة، في حين ينطلق أحفادها في جمع الأوراق، وأكياس النايلون، والكرتون من الشوارع الترابية الجانبية، لكي تتمكن من توفير "حمية" وقود لفرن الطين، من أجل استخدامه في الخبز، والطبخ حتى ساعات الظهيرة.

تقول : "كنت أشتري بعض الاخشاب حينما كان ثمنه ٢.٥ شقيل، ومن ثم تضاعف ثمنه، حتى وصل اليوم إلى ثمانية شواقل، ولم أعد أقوى على شرائه، على الأقل أحتاج إلى عشرة كيلو يوميا ما بين الطبخ، والخبز".

أما سامية أبو شعبان التي قصف الاحتلال شقتها، التي كانت تقطنها في عمارة سكنية في شارع (٨)، تقول: "حرقت فساتين زفافي، وأثاث غرفتنا، عشان أطبخ شوربة عدس. الريحة بتخنق، بس الجوع أخطر".

وتضيف سامية : "في كثير من الأحيان أصاب بنوبات صداع تستمر لأيام بسبب استخدام البلاستيك لإشعال النار، واحيانا يتدفق الدم من أنفي بسبب استنشاق الدخان السام، وفي بعض الأحيان أصاب بوجع في العينين لا استطيع بعده استخدام النار ليومين، ولكني في النهاية أتحامل على ألمي وأقوم من أجل الطبخ لسد جوع أبناىي فليس أمامي خيار".

بينما كان الحطب يُستخدم سابقًا كخيار ثانوي في المناطق الريفية، بات اليوم مصدر الطاقة الأول، بل الوحيد، لمئات آلاف الأسر، بعد شلل القطاع بفعل حرب الإبادة الاسرائيلية وتجدد الحصار.

أسعار خيالية

ومنذ أن أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المعابر بشكل كامل مطلع مارس الماضي، توقفت كليًا دخول شحنات الغاز المنزلي إلى القطاع، مما أدى إلى فقدانه من الأسواق وارتفاع سعره – إن وجد – بشكل جنوني.

سعر 12 كيلوجرام من الغاز وصل إلى أكثر من ٢٥٠٠شيقل، وهو ما يفوق راتب موظف حكومي لشهر كامل. معظم الأسر لجأت مجبرة إلى إشعال الأخشاب أو أي مادة قابلة للاشتعال.

ارتفاع الطلب وشحّ المعروض رفع سعر كيلو الخشب ليصل إلى ثمانية شواقل، وهو مبلغ يفوق قدرة غالبية سكان القطاع، الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.

يقول البائع حمادة عطالله ولديه بسطة في سوق الصحابة شرق مدينة غزة، يعرض عليها أخشاب جمعت من أنقاض البيوت: "صار الحصول عليه صعب، في ظل سيطرة الاحتلال على معظم الأراضي الشرقية لان معظمها اراضي زراعية، كان الناس يجمعون منها الاخشاب".

ويتابع عطالله :" اليوم ارتفع سعر الخشب بسبب قلة العرض، وكثرة الطلب، حتى أن نوع الاخشاب رديء، ويسبب دخان كثيف يؤثر على التنفس، ولكن ليس هناك بديل".

الاحتلال يمنع دخول الأخشاب والوقود، ما دفع الأهالي لتقطيع ما تبقى من أثاث بيوتهم، وأشجار الحدائق، وحتى ألواح المدارس، لاستخدامها للطهو أو التدفئة.

بدائل مؤلمة

وسط هذه الأزمة، لجأ الغزيون إلى استخدام كل ما يمكن إشعاله: الكتب الجامعية والمراجع العلمية، والكراتين والورق المقوى، والنفايات البلاستيكية، وقطع الأثاث المكسور.

في منطقة شارع الوحدة، رصدنا عائلة تحرق أوراقًا من "أطروحة ماجستير" لإعداد وجبة عدس. قالت أم يوسف قاسم النازحة من بيت لاهيا في خيم وسط المدينة، "حرقنا شهاداتنا وكتب أولادنا، المهم نطعمهم".

تقول أم يوسف: "أشعل النار بما يجمعه أبنائي من الطرقات، والمباني المدمرة، من الخراطيم، والكراسي البلاستيكية، والملابس الممزقة، والكتب، عند اشعالها الدخان المتصاعد يسبب ضيق تنفس، وصداع، ووجع في العينين، كما يغير طعم الأكل، ومضطرة إلى استخدامها لسد جوعنا، في ظل غلاء أسعار الخشب".

الدخان الناتج عن حرق البلاستيك أو الورق يحتوي على مواد مسرطنة، ويؤدي إلى تفاقم أمراض الربو، والتهاب القصبات، والحساسية.

إلى جانب الأزمة الصحية، فإن البيئة في غزة تتدهور بسرعة. 80٪ من الغطاء النباتي في القطاع فقد خلال الأشهر الستة الأخيرة، بفعل قطع الأشجار والحرق العشوائي، وفق تقرير بيئي نشرته منظمة "الحق الأخضر" الدولية.

في ظل غياب حلول جذرية بسبب استمرار حرب الإبادة، يستمر الغزيون في معركتهم اليومية من أجل الحياة: يطهون بكتبهم وما تبقى من أثاثهم، ويكافحون ليعيشوا يومًا إضافيا.

فلسطين أون لاين