تعويض الأردن عن استضافته للاجئين

mainThumb
الأستاذ الدكتور ليث نصراوين

23-06-2025 11:37 AM

printIcon

أ. د. ليث كمال نصراوين*


يصادف يوم 20 حزيران من كل عام اليوم العالمي للاجئين، وهي المناسبة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2000 ليبدأ تطبيقها في السنة التي تليها إحياء للذكرى الخمسين لإصدار اتفاقية اللجوء لعام 1951. فهذه الاتفاقية الدولية إلى جانب البروتوكول الملحق بها لعام 1967 تعتبران الوثيقتين الأساسيتين اللتين تحكمان آلية التعامل الدولي مع اللاجئ، وذلك من تعريفه ابتداء والحقوق المكرسة له بموجب القانون الدولي، وانتهاء بالالتزامات المقررة على الدول التي تستصيف اللاجئين ضمن إطار الحماية القانونية الدولية المقررة لهم.


ويتمثل المبدأ الأساسي الذي يحكم علاقة اللاجئ بالدولة التي يلجأ إليها هو عدم جواز الإعادة القسرية؛ والذي يقصد به ألا يتم إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدا خطيرا لحياته أو حريته. فهذه القاعدة قد جرى تكريسها ضمن قواعد القانون الدولي العرفي قبل أن يتم "دسترها" في الاتفاقية الدولية لعام 1951.


إن علاقة الدولة الأردنية باللاجئين كانت وعلى الدوام علاقة مستمرة لا تنقطع؛ فاللجوء إلى الأردن لم يكن يوما حدثا طارئا أو عابرا، بل هو ظاهرة متجذرة في تاريخ الدولة منذ نشأتها. فقد شكّل الأردن نموذجا إنسانيا في التعامل مع قضايا اللجوء، إذ فتح أبوابه لموجات متتالية من اللاجئين، من فلسطين والعراق وسوريا، انطلاقا من مبادئ التضامن العربي الإنساني واحتراما لالتزاماته الدولية، ذلك على الرغم من أن الأردن لم يوقع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 ولا على البروتوكول الملحق بها لعام 1967.


وهنا يثور التساؤل القانوني الأبرز حول مدى أحقية الأردن في الحصول على تعويضات أو دعم مالي مقابل الأعباء الثقيلة التي يتحملها نتيجة هذه الاستضافة المستمرة، والتي تركت آثارا سلبية جسيمة على اقتصاده الوطني، وعلى البنية التحتية لديه وقطاعاته الخدمية من تعليم وصحة ومياه، فضلا عن تأثيرات أخرى ملموسة على سوق العمل والأمن المجتمعي.
فمن خلال استعراض الاتفاقية الدولية اللاجئين لعام 1951 نجد بأنها لا تتضمن نصا صريحا يلزم الدول الأعضاء بتعويض الدولة المستضيفة للاجئين، إلا أن ديباجتها تتضمن حكما مفاده "أن منح الحق في الملجأ قد يلقي أعباء باهظة على عاتق بلدان معينة، وأن ذلك يجعل من غير الممكن دون تعاون دولي، إيجاد حل مرض لهذه المشكلة". فهذا النص القانوني في الاتفاقية الدولية يكرس مبدأ "تقاسم الأعباء والمسؤوليات" الذين يمكن للأردن أن يستند إليه لمطالبة المجتمع الدولي بالتعويض.


ومن الأسس القانونية الأخرى التي تدعم مشروعية الأردن في طلب التعويض عن استقبال اللاجئين ما جاء في "الميثاق العالمي بشأن اللاجئين" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2018، الذي ينص على ضرورة دعم الدول التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين، لا سيما الدول ذات الموارد المحدودة.


في المقابل، يتمسك البعض بأن وجود النص القانوني على إلزامية الدعم المالي في اتفاقية اللجوء لا يكفي بحد ذاته لكي تبادر دول العالم إلى مساعدة الأردن ماديا، وذلك بسبب غياب آليات قانونية واضحة لتنفيذ هذا الالتزام الدولي وعدم وجود جزاءات تفرض في حال مخالفته. كما أن الميثاق الذي أصدرته الأمم المتحدة لعام 2018 يفتقر لعنصر الإلزامية، ولا يختلف عن أي قرار أممي آخر أصدرته المنظمة الأممية ولم يلق آذانا صاغية من أحد.


إن موقف الأردن من المطالبة بالتعويض عن استضافته للاجئين لا يقوم على أساس اعتباره مجرد طلب مالي، بل هي تأكيد على مبدأ العدالة الدولية وقواعد الإنصاف المقررة في القانون الدولي العرفي. فمن غير المقبول أن تتحمل دولة محدودة الموارد كالأردن أعباء أزمة لم تكن سببا فيها، بينما تتقاعس الدول الغنية عن الوفاء بالتزاماتها الدولية. فالأردن لا يطلب أكثر من حقه؛ فهو لا يبتز العالم بورقة اللاجئين ولا يُعلّق الخدمات الأساسية المقدمة لهم على حصوله على الدعم المالي، بل أنه يُذكّر المجتمع الدولي بأن الأعباء يجب أن تُوزع بعدالة، وأن الكرم لا يجب أن يُقابَل بالتجاهل، بل بالدعم والمساندة.
ولا يغير في حقيقة الأمر أن بعض العائلات من اللاجئين السوريين قد بدأوا بالعودة الطوعية إلى بلادهم لكي يدفع البعض بانتفاء الغاية من التعويض. فالرد على هذه المزاعم يكون من خلال التذكير بأن أعداد اللاجئين السوريين وغيرهم لا تزال كبيرة على الأراضي الأردنية، وبأن التعويض مستحق بسبب الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الأردني وموارده المالية جراء استضافتهم لسنوات طويلة. فالمبرر لجبر الضرر ودفع التعويضات لا يزال قائما وموجودا، حتى ولو قل عدد اللاجئين في الأردن بنسبة ضئيلة جدا.


إن تعويض الأردن عن استضافة اللاجئين يجب أن يقوم على أساس قواعد القانون الدولي في تقاسم الأعباء والمسؤوليات ومبدأ العدالة الدولية، واعتراف المجتمع الدولي بالأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تحملها، دون أن يكون سببا في أي من النزاعات التي أدت إلى تدفق اللاجئين إلى الأراضي الأردنية.