حرب النووي .. أم حرب المشاريع؟

mainThumb
الدكتور محمد أبو هديب

23-06-2025 06:44 PM

printIcon

الدكتور محمد أبو هديب

تحت عناوين براقة وشعارات مقلقة، تُخاض اليوم في منطقتنا حرب لا يمكن اختزالها بمصطلح "النووي"، رغم ما يحمله هذا العنوان من رهبة دولية. الحقيقة أنها حرب مشاريع ونفوذ، تجري تحت السطح، وتُرسم نتائجها لتحدد شكل الإقليم لعقود قادمة.

ما نعيشه ليس صراعًا تقليديًا بين دولة وأخرى، بل تنافس حاد بين ثلاثة مشاريع كبرى: المشروع الإيراني، المشروع التركي، والأخطر منهما جميعًا – مشروع المحتل الصهيوني. فبينما تتبدى طموحات إيران وتركيا بشكل معلن أو قابل للتفاوض، يتسلل مشروع الاحتلال الإسرائيلي بثبات ودهاء، مستخدمًا أدوات تفتيت المنطقة من الداخل، وتحويل التهديد إلى فرصة، والفرصة إلى سيطرة دائمة.

التهديد الأخطر: مشروع المحتل
نعم، في زمن تتداخل فيه الخطوط بين العدو والخصم والمنافس، تبرز ضرورة ترتيب الأولويات. المشروع الصهيوني هو الأخطر، لا لأنه الأقوى عسكريًا فقط، بل لأنه الأخطر أيديولوجيًا، ولأنه يعتمد على دعم غير مشروط من قوى كبرى، ويعمل على إعادة تشكيل المنطقة لصالحه عبر بوابات التطبيع، والانقلابات الناعمة، والحروب بالوكالة.

أما المشروعان الإيراني والتركي، فرغم التناقضات العميقة معهما، إلا أنهما لا يزالان ضمن أطر يمكن التعامل معها سياسيًا أو أمنيًا. ما زال يمكن التفاوض معهما، احتواء تمددهما، أو حتى مواجهتهما بوسائل تقليدية. أما المحتل، فمشروعه يتجاوز حدود الجغرافيا، ويتغلغل في العمق الثقافي والسياسي والاقتصادي.

سؤال المليون: هل تضرب إيران؟
اليوم يقف العالم أمام سؤال حاسم: هل سترد إيران على الضربة الأميركية عبر استهداف مباشر للمصالح الأميركية وتفعيل حلفائها في المنطقة؟ هذا ما لوّحت به طهران منذ بداية الأزمة، وما تعهّدت به أمام حلفائها وخصومها على حد سواء.

الضربة الأميركية وقعت، رغم مهلة الأسبوعين التي تم تسويقها كنافذة تفاوض جديدة. وقد حذّرتُ منذ البداية أن هذه المهلة ليست إلا خدعة تكتيكية أميركية جديدة، تستهدف امتصاص الصدمة وتحييد ردود الفعل، بينما تُجهز واشنطن ساحة المواجهة وفق شروطها.

ما بعد الضربة لن يكون كما قبلها. المنطقة الآن أمام احتمالين: إما أن تثبت إيران جدية تهديداتها وتترجمها إلى أفعال عبر حلفائها، أو أن تظهر هشاشة خطابها وتفقد ورقة الردع التي بنتها على مدى سنوات. وفي كلتا الحالتين، فإن ميزان النفوذ في الشرق الأوسط على وشك أن يُعاد رسمه بخطوط نار جديدة.

الخلاصة: مرحلة ما بعد النووي
إننا لا نعيش أزمة نووية، بل مرحلة ما بعد النووي؛ حيث تتراجع الأسلحة الفعلية لحساب المشاريع الكبرى، ويتحدد مستقبل الشعوب ليس بالصواريخ بل بخيارات التحالف والتموضع والمقاومة.

ووسط كل هذا، علينا أن نعيد صياغة وعينا وترتيب أولوياتنا: فالخطر الحقيقي لا يكمن فقط في من يهددنا بصواريخ أو مليشيات، بل في من يعيد كتابة خريطة المنطقة بأقلام سايكس-بيكو جديدة، ويزرعها بخرائط نفوذ تتجاوز حدود الدول إلى عمق الوعي العربي.