صمت عالمي وهدوء هشْ .. الغزِّيون يخشون عودة الإبادة

mainThumb
صمت عالمي وهدوء هشْ.. الغزِّيون يخشون عودة الإبادة

26-11-2025 10:23 AM

printIcon

أخبار اليوم - في شوارع غزة حيث تنتشر الخيام بين أزقتها الضيقة، وتلوح في الأفق أعمدة الدخان الناتجة عن القصف المتقطع، يعيش عشرات آلاف النازحين حالة ترقب ثقيلة، يخشون فيها أن يتحول الهدوء المثقل بالخروقات الإسرائيلية إلى عودة كاملة لحرب الإبادة التي مزقت حياتهم ودفنت ذكرياتهم تحت الركام.

يأتي ذلك في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، ما تسبب باستشهاد أكثر من 130 مواطن بينهم أطفال ونساء، وفق تقارير محلية.

في مخيم إيواء عشوائي بين المنازل المدمرة في حي الرمال الشمالي، يجلس سامي حسين، رجل خمسيني، أمام خيمته المهترئة، ينظر إلى السماء كلما دوى انفجار قريب. لم يعد يفرق بين أصوات القصف الفعلي والنيران التحذيرية التي تطلقها آليات الاحتلال بين حين وآخر في المناطق الشرقية لمدينة غزة.

يقول لصحيفة "فلسطين" بصوتٍ يختلط فيه الغضب بالخوف: "نعيش وقف إطلاق نار على الورق، كل يوم خرق، وكل يوم انفجار. صحيح أنه تم الإعلان عن وقف النار، لكن في الحقيقة الحرب لم تتوقف."



كان حسين يملك منزلاً مكون من 5 طوابق قرب تلة المنطار، في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، كان بمثابة وطن صغير بالنسبة لأبنائه وأحفاده، لكن آلة الحرب الإسرائيلية دمرته مع بداية الحرب في أكتوبر/ 2023، وحولته إلى ركام قبل أن تأتي الآليات والجرافات لتغير معالم المنطقة بالكامل.

لم يبقَ أمامه سوى النزوح والتنقل بين محافظات قطاع غزة في خضَّم الحرب، حتى استقر به الحال تحت سقف خيمة من النايلون، لا تقي أفراد عائلته البرد والمطر، ولا يحصلون فيها إلا على الحد الأدنى من الطعام.

ومع استمرار الخروقات الإسرائيلية، بات حسين، كحال أكثر من مليوني مواطن بغزة، يخشون أن يجدوا أنفسهم من جديد أمام موجة قصف وإبادة شاملة ونزوح جديد.

ورغم وقف النار، وثق صحفيون ومؤسسات المحلية حالات استهداف متكرر نفذها جيش الاحتلال لمناطق مدنية، كان آخرها، السبت 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، حيث أغارات طائرات الاحتلال على مركبة وشقق سكنية في محافظتي غزة والوسطى للقطاع الساحلي.

وتطاير الركام نتيجة القصف على المنازل وخيام الإيواء المجاورة، وألحق دمارًا كبيرًا بها، وأوقع ضحايا مدنيين.

في إحدى زوايا خيمتها البالية المثبتة على قارعة الطريق غرب مدينة غزة، تمضي سهى عاشور (30 عامًا) طيلة يومها جالسة هناك، تضع يدها على خدها وهي تتأمل بصمت المكان الذي تعيش فيه ويفتقر لأدنى مقومات الحياة بعدما أمضت أعوام طويلة من عمرها في منزل العائلة الذي كان يومًا ما قائمًا في بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة.

تقول لـ"فلسطين" وبدت يائسة: "إحنا مش بس خايفين من الحرب ترجع، إحنا شايفين إنها ما خلصتش. طول الوقت نسمع انفجارات، ولا حد بالعالم واقف معنا؛ العرب والأمريكان ساكتين، والدنيا كلها بتتفرج."

تشير عاشور إلى زوجها الذي يرافقها مأساة النزوح في زمن الحرب، وتضيف: "كل ليلة نستيقظ ونحن نصرخ من الكوابيس وأصوات الانفجارات."



تتابع بنبرة موجوعة: "لو رجعت الحرب ما عندنا إشي نخسره. البيت راح، والشغل راح، وكل إشي أخذته الحرب، فقط بدنا ننجو بأرواحنا."

نهار غزة لم يعد يختلف كثيرًا عن ليلها، حيث تدوي أصوات الانفجارات وإطلاق النيران وعمليات النسف المستمرة، خلف ما يعرف بـ"الخط الأصفر"، حيث يواصل جيش الاحتلال تدمير الأحياء السكنية وتسويتها بالأرض، ويرافقها قصف جوي عنيف.

محمود حنفي، شاب في الثلاثينات من عمره، دمر جيش الاحتلال شقته السكنية في حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، ولم يجد مأوى لعائلته المكونة من 5 أفراد، سوى غرفة صغيرة لما يطالها الدمار في منزل أحد الأقارب، غرب مدينة.



يقول لـ"فلسطين": "أمضيت أسابيع لتنظيف الغرفة من الركام والغبار لإيواء أسرتي، وعندما بدأنا نشعر بالاستقرار عاد القصف والتدمير مجددًا. أخشى أن تتجدد حرب الإبادة ويجبرونا على النزوح مجددًا إلى جنوب القطاع."

يضيف حنفي: "وقف إطلاق النار أعطانا خيمة وقليل من المساعدات، لكنه لم يعطينا إعمار ولا تعويض ولا حتى أمل، والاحتلال كل يوم يقصف ويدمر."

وبينما ينتظر المواطنون بارقة أمل بإجبار الاحتلال على وقف خروقاته وتنفيذ الاتفاق وعودة الحياة إلى طبيعتها، يبقى الصمت العالمي ناقوس خطر لا يقل وطأة عن القنابل والصواريخ الإسرائيلية التي تفتك بالمدنيين.