أخبار اليوم – مروان بريزات
في كل مرة يُذكر فيها اسم الأردن على منصات الإعلام العربي أو الدولي، تتسابق التعليقات المسيئة وتطفو على سطح الخطاب العام، وكأن اسم الأردن وحده بات كافيًا لاستدعاء الهجوم، بصرف النظر عن طبيعة الخبر أو مضمونه.
فما أن يُنشر تقرير أو يُذاع تصريح أردني، حتى تنهال ردود أفعال سلبية – في كثير منها موجهة ومبنية على مغالطات – تهاجم الدولة، وتشكك في نواياها ومواقفها، وتحمّلها ما لا تحتمله حتى كبرى الدول.
تلك الظاهرة اللافتة، التي أصبحت تتكرر بتواتر مزعج، تطرح سؤالًا محوريًا: لماذا الأردن؟ ولماذا يبدو هذا الوطن، رغم ثبات مواقفه السياسية ووضوح لغته، هدفًا مستمرًا للهجوم الإعلامي؟
من الناحية الجغرافية والسياسية، يقع الأردن في قلب المنطقة الملتهبة، مجاورًا لفلسطين وسوريا والعراق والسعودية، وعلى تماس مباشر مع بؤر الصراع والتحولات الكبرى في الشرق الأوسط.
وقد اتخذ الأردن منذ عقود مواقف سياسية واضحة ومعلنة، لم يبدلها في السر ولا في العلن، سواء في القضية الفلسطينية أو القضايا الإقليمية، رافعًا دائمًا شعار "الحديث فوق الطاولة"، في وقت اختارت فيه دول كبرى، وحتى عظمى، أسلوب المناورة والتحايل السياسي، واتبعت سياسات إعلامية مزدوجة تتباين بين ما يُقال في العلن وما يُدار في الكواليس.
ومع ذلك، فإن كثيرًا من وسائل الإعلام العربية – لا سيما بعض القنوات المؤثرة – تُوجه نقدها أو حملاتها نحو الأردن أكثر من غيره، رغم وجود دول أخرى تتخذ مواقف أكثر غموضًا أو صمتًا.
وهنا يتعمق السؤال: لماذا لا تُوجه الهجمات نحو هذه الدول؟ ولماذا الأردن بالتحديد؟
الإجابة تكمن في عدة عوامل مترابطة:
أولًا، لأن الأردن يُمثل نقطة ارتكاز تاريخية وجغرافية وروحية في العالم العربي والإسلامي، خصوصًا بما يتعلق بالقدس وفلسطين، وهو ما جعله في كثير من اللحظات هدفًا لمواقف متناقضة: يُطلب منه ما لا يُطلب من غيره، ويُحمّل أكثر مما يحتمل.
وثانيًا، لأن ثبات الموقف الأردني يزعج بعض الخطابات الإعلامية التي تبحث عن الإثارة لا الاتزان، وتجد في الأردن مادة يصعب احتواؤها ضمن سردياتها المتقلبة.
لكن، وبعيدًا عن التحليل الخارجي، لا يمكن إغفال البُعد الداخلي في هذه الإشكالية.
فالخطاب الإعلامي الأردني، حتى اليوم، ما يزال يفتقر إلى التنسيق والوحدة والفاعلية. إذ لا توجد حتى الآن منظومة إعلامية وطنية موحدة تتبنى الرواية الأردنية وتُصدرها إلى الخارج، بل تعمل المؤسسات الإعلامية كلٌ بطريقته، وبمرجعيات متباينة، ومقاربات غير متسقة، ما أضعف الرسالة الأردنية، وتركها عرضة للتحريف والتأويل والهجوم.
وبينما يُفترض بالإعلام أن يعكس موقف الدولة، أصبح في كثير من الأحيان منشغلًا بنقل تصريحات المسؤولين، لا بتحليل سياسات الدولة نفسها.
وبات واضحًا أن المعلومة الأردنية لا تُبنى من رؤية وطنية شاملة، بل تُركّز على الأقوال الفردية، ما يفسح المجال أمام الآخرين لتفسيرها، أو تسويقها ضمن سياقات مغلوطة.
وفي ضوء هذا التشتت، أصبح من السهل على المؤسسات الإعلامية الخارجية أن تختطف الرواية الأردنية، أو تشوّهها، أو تُمررها بشكل مجتزأ، دون أن تجد من يرد عليها بلغة واضحة أو بمنهجية مؤسسية.
وقد عبّر كثير من المراقبين عن أسفهم لغياب الجهود الرسمية لتوثيق مواقف الأردن وتاريخه السياسي، وعدم إنتاج وثائق وطنية إعلامية قوية تُترجم مواقف الدولة إلى محتوى مرئي ومكتوب ومسموع، يُقدّم للخارج بصورة فاعلة ومدروسة.
ويظهر هذا القصور جليًا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث تُبنى كثير من التعليقات السلبية على أحكام مسبقة، وسوء فهم، ومفاهيم مغلوطة عن سياسات الأردن، وغالبًا ما يكون الرد عليها ضعيفًا أو مشتتًا أو عاطفيًا، ما يزيد من تعقيد الصورة ويفتح الباب أمام المزيد من الهجوم.
لقد آن الأوان لأن نعيد النظر في الطريقة التي يُدار بها الإعلام الأردني، لا من حيث المهنية فقط، بل من حيث الهوية والرسالة والتنظيم المؤسسي.
ولا يكفي أن نقول إن الأردن على حق، بل يجب أن نُجيد الدفاع عن هذا الحق، بلغة يفهمها الآخر، وبمنصات تصل إليه، وبمحتوى يُقنعه.
فما يحتاجه الأردن اليوم ليس فقط أن يُسأل: "لماذا يُهاجَم؟" بل أن يبدأ في صياغة استراتيجية إعلامية وطنية موحّدة، تُجيب عن هذا السؤال بالفعل، لا بالكلمات.