د. أشرف الراعي
يطرح هذا السؤال بإلحاح متزايد في أوساط الأكاديميين والباحثين وخريجي برامج الدراسات العليا في الأردن؛ فإذا كانت الجامعات الأردنية تؤمن بجودة برامجها ومخرجاتها الأكاديمية فلماذا لا تبادر إلى احتضان هؤلاء الخريجين وتعيينهم ضمن كوادرها التدريسية؟
هذا التساؤل جاء نتيجة تراكم خبرات وتجارب كثير من الحاصلين على درجة الدكتوراه ممن صرفوا سنوات طويلة في مسيرة علمية شاقة شملت مراحل معقدة منها إنجاز المساقات الأكاديمية بدقة وصرامة واجتياز امتحان الكفاءة الجامعية ونشر أبحاث علمية محكمة في مجلات مصنفة وإعداد رسائل علمية تخضع لتقييم دقيق ومناقشات عميقة.
ورغم ذلك، يصطدم الخريجون في النهاية بعقبات توظيفية وإدارية تجعلهم "غرباء" في بيئة أكاديمية طالما احتضنتهم طلابا وباحثين.
هذا التناقض المؤسف بين الإيمان المعلن بجودة المخرجات وبين الإعراض العملي عن توظيفها لا يقتصر على مؤسسة أو تخصص بعينه، بل هو ظاهرة تتكرر في معظم الجامعات الأردنية؛ فكيف يمكن للمؤسسة الأكاديمية أن تتباهى بمستوى التعليم والبحث العلمي ثم تتردد في تمكين خريجيها من المساهمة في تطوير هذه المؤسسة نفسها؟
إذا لم تكن الجامعات تثق بخريجيها ليتولوا مهام التعليم والبحث داخلها فكيف نتوقع أن يثق بهم المجتمع والقطاع الخاص؟
للأسف يبدو أن مقولة (أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي) تنطبق على هذا الملف ومع ذلك فإن إعادة طرحه تبقى ضرورة أخلاقية وعلمية؛ إذ إن تجاهل هذه القضية سيؤدي إلى مزيد من تراجع الثقة في التعليم العالي وهجرة الكفاءات وتفاقم البطالة الأكاديمية.
وحتى ننتقل من الشكوى إلى الإصلاح، لا بد من اقتراح حلول قابلة للتطبيق، منها تخصيص نسبة محددة من التعيينات السنوية لحملة الدكتوراه من خريجي الجامعات الأردنية الذين يستوفون معايير الكفاءة العلمية والبحثية وفق آلية شفافة تضمن العدالة والمنافسة الموضوعية، وإصدار تقارير تقييم سنوية للمخرجات الأكاديمية تنشر للرأي العام وتتضمن مؤشرات واضحة عن نسب توظيف الخريجين في الجامعات الأردنية وخارجها.
كما لا بد من إعادة النظر في معايير المفاضلة للتعيين الأكاديمي بحيث لا تكون الخبرة الخارجية هي المعيار الوحيد، بل يُراعى التميز البحثي والمشاركة المجتمعية والقدرة على الإضافة إلى المؤسسة الأكاديمية، فضلا عن إطلاق برامج تمويل ودعم مشاريع بحثية مشتركة بين أساتذة الجامعات الحاليين وخريجيها من حملة الدكتوراه، بهدف دمجهم في البيئة الأكاديمية وإنشاء منصة إلكترونية وطنية لتنسيق فرص التعيين الأكاديمي وإتاحة بيانات المترشحين بشفافية بما يمنع أي تلاعب أو محاباة.
والله من وراء القصد،