بقلم: لين عطيات
في عالمٍ يتسارع إيقاعه وتتشابك فيه التحديات، يبقى السؤال الجوهري حاضرًا: كيف يمكن لشبابٍ يفيض بالحماس والطموح أن يلتقي بصنّاع قرار يملكون سلطة التغيير؟
إنها ليست مجرد مسافة عمرية أو اختلاف في مواقع السلطة، بل فجوة قد تتحول إلى فجوة عميقة إن لم نمدّ إليها جسور التواصل والثقة.
الفجوة… حين يغيب الصوت المشترك
الفجوة بين الشباب وصنّاع القرار ليست دائمًا في القوانين والقرارات، بل أحيانًا في لغة الخطاب، في آلية الإصغاء، وفي مساحة الاعتراف بأن الشاب ليس مستقبل الوطن فقط، بل حاضره الفاعل أيضًا.
غياب التواصل يولّد:
انعدام الثقة بين الطرفين و شعور الشباب بأنهم على هامش المشهد السياسي والاجتماعي وخسارة الحكومات لطاقات وأفكار يمكن أن تتحول إلى مشاريع استراتيجية ، فإنها فجوة لا تُقاس بالأمتار، بل تُقاس بالفرص الضائعة.
حين نعزّز التواصل.. تتغير المعادلة
تعزيز التواصل لا يعني اجتماعات بروتوكولية أو نشرات صحفية، بل يعني أن يُدرك الشاب أنّ صوته مسموع، وأن القرار لم يُصنع بعيدًا عن طموحه.
وعندما تُبنى الثقة:
يتحول الشباب إلى شركاء في التنمية لا مجرد متفرجين وتزداد شرعية القرارات الحكومية لأنها تستند إلى مشاركة شعبية واسعة.
ينمو وعي شبابي يرى في الدولة حاضنة لأحلامه، لا عائقًا أمامها.
أين نقف اليوم؟
لا يمكن إنكار الجهود القائمة:
برامج التدريب والتأهيل التي تقودها وزارة الشباب ومنصات الحوار التي بدأت تفتح أبوابها مثل مبادرات "رؤية التحديث" و"لقاءات العشرينات".
مشاركة شبابية في بعض المجالس الاستشارية إنهذه خطوات محمودة، تعكس نية صادقة لدى الحكومة لتقريب المسافات.
لكن، السؤال: هل تكفي؟ أم أن الواقع يحتاج إلى قفزات خارج المألوف تترجم الرؤية إلى فعل مستدام؟
استراتيجيات خارج الصندوق لتعزيز التواصل
البرلمان الشبابي الرقمي
منصة تفاعلية إلكترونية، تمثل محاكاة للبرلمان، يدخل إليها الشباب من مختلف المحافظات لطرح قضاياهم، بينما يتابع وزراء ومسؤولون هذه النقاشات بشكل مباشر، ويُقدّم ملخص أسبوعي لصنّاع القرار وهذه ليست مجرد جلسة استماع؛ بل مختبر تشريعي شبابي يواكب الحكومة بأفكار عملية قابلة للتنفيذ.
المستشار الشاب الافتراضي
اعتماد الذكاء الاصطناعي في إطلاق شخصية رقمية تمثل "المستشار الشاب"، يجيب على تساؤلات المواطنين والشباب حول السياسات الحكومية، ويجمع الملاحظات والمقترحات ليُعيد رفعها بشكل دوري للجهات الرسمية وهذا يفتح بابًا للتفاعل الفوري ويقضي على البيروقراطية الثقيلة.
حاضنات القرار
مراكز ابتكار تركز على إشراك الشباب في تصميم السياسات العامة، لا فقط المشاريع الاقتصادية. مثلًا: مختبر وطني يجمع شبابًا من الجامعات مع وزارات الصحة والتعليم والبيئة ليبتكروا حلولًا قبل اتخاذ أي قرارات كبرى.
المجالس المتنقلة
بدلًا من أن ينتظر الشباب دعوات رسمية لحوارات محدودة، تنزل الحكومة إلى الجامعات والمراكز الثقافية في "قافلة قرارات" شهرية، حيث يتواجد الوزراء والمسؤولون مباشرة بين الشباب، في حوارات غير تقليدية، تزيل الحواجز الرسمية.
دور مواقع التواصل الاجتماعي الحكومية
مواقع التواصل الرسمية ليست فقط لنشر بيانات صحفية أو صور البروتوكولات، بل يمكن أن تتحول إلى:
غرف حوار رقمية حيّة: بث مباشر دوري بين الوزراء والشباب يجيب عن أسئلتهم بلا وسطاء.
استفتاءات سريعة: استمزاج رأي الشباب في قرارات مصيرية قبل إقرارها.
قصص نجاح شبابية: إبراز نماذج شباب أردنيين مؤثرين لإلهام غيرهم وتعزيز الانتماء.
اقتراحات لتعزيز الثقة عبر الميديا الحكومية
بث مباشر دوري مع الوزراء والمسؤولين
ليست لقاءات تلفزيونية مسجلة، بل Live تفاعلي على إنستغرام وفيسبوك ويوتيوب، يسمح للشباب بطرح أسئلتهم مباشرة، ويقوم الوزير بالاجابة فورا
سلسلة “القرار بوضوح”
فيديوهات قصيرة بلغة شبابية (Reels ) تشرح القرارات الحكومية ببساطة وبالرسوم المتحركة ( موشن جرافيك)، " عوضا عن البيانات الصحفية المعقدة. الشفافية هنا تعني شرح القرار قبل تطبيقه لا بعده.
منصات للشكاوى والاقتراحات عبر السوشال
فتح باب لاستقبال شكاوى ومقترحات الشباب بشكل مباشر عبر حساب رسمي (Messenger / WhatsApp Business / تويتر)، مع التزام حكومي بالرد خلال 72 ساعة.
قصص نجاح شبابية
بدل التركيز فقط على نشاطات الوزراء، يمكن للحكومة أن تعرض أسبوعيًا قصص نجاح شباب أردنيين في مختلف القطاعات. هذا يعزز انطباع أن الحكومة ترى الشباب وتقدرهم.
هاشتاغ حكومي أسبوعي
إطلاق هاشتاغ ثابت مثل: #اسأل_الوزير أو #قرار_بأيدك، يتم التفاعل فيه مع أسئلة الشباب أو استفتاء حول موضوع معين.
بودكاست حكومي شبابي
برنامج صوتي–مرئي يستضيف فيه المسؤولون شبابًا من مختلف المحافظات، يتحاورون معًا، ويُنشر على منصات التواصل. هذا يفتح بابًا لسماع الأصوات من الأطراف لا من المركز فقط.
منصة تواصل مع صانع القرار الافتراضي
شات بوت (chatbot) رسمي في صفحات الحكومة يجاوب الشباب على أسئلة عن القوانين والقرارات، ويجمع بيانات عن أكثر المواضيع التي تشغلهم، ليرفعها للجهات المختصة.
التقارير التفاعلية بالإنفوغرافيك
بدل نشر ملفات PDF ثقيلة، تعمل الحكومة إنفوغرافيك دوري بعنوان: “وين صرنا؟” يوضح تطور المشاريع الحكومية بالأرقام والصور والخرائط البسيطة.
مبادرات “خذ القرار معي”
الحكومة تنشر تصويتات تفاعلية على منصاتها حول قضايا حياتية (مثل: تطوير النقل العام، التعليم المهني، السياسات البيئية)، وتعرض النتائج أمام المسؤولين كجزء من مرجعية القرار.
الشفافية الرقمية: نشر تقارير دورية مبسّطة بلغة شبابية حول "إلى أين وصلت وعود الحكومة؟".
إنها أدوات متاحة، لكن ما ينقصها هو الجرأة في الاستخدام، لتصبح منصات ثقة لا منصات أخبار.
كيف نطوّر ما هو قائم؟
نعم، الحكومة بدأت، ومن الإنصاف الاعتراف بذلك: رؤية التحديث الاقتصادي، واستراتيجية تمكين الشباب، ومجالس المحافظات الشبابية إن هذه جهود تستحق التقدير.
لكن التطوير المطلوب هو أن ننتقل من "مشروع للشباب" إلى "قرار مع الشباب".
وأن تصبح العلاقة بين الحكومة والشباب أشبه بشراكة إبداعية، لا علاقة مركزية طرف يقرر والآخر ينفذ.
الجسر الذي لا بد أن يُبنى
الثقة لا تُفرض بقرار، بل تُزرع بصدق التواصل ،والشباب لا ينتظرون وعودًا مؤجلة، بل يريدون أن يروا أنفسهم في مرايا القرار اليوم.
إنها ليست رفاهية سياسية، بل ضمانة لاستقرار المستقبل.
فلنجعل من الإعلام الرقمي، ومنصات التواصل، ومنصات الحوار، جسورًا حقيقية بين ضفتي الوطن: شبابًا يحلمون، وصنّاع قرار يملكون مفاتيح التنفيذ.
وحين تلتقي الأحلام بالمفاتيح، عندها فقط… تتحول الفجوة إلى فرصة، ويولد وطنٌ أكثر ثقة بنفسه وبأبنائه.