الدكتور مطيع الشبلي
في مجتمع أكاديمي رفيع كبيئة الجامعة الأردنية، يُفترض أن تسود روح الحوار، والعلم، والتعايش بين الطلبة، مهما اختلفت خلفياتهم أو توجّهاتهم أو مجموعاتهم. ولكن ما شهدناه مؤخرًا من أحداث مؤسفة بين مجموعات من الطلبة داخل الحرم الجامعي، يؤكّد الحاجة الماسّة إلى وقفة جادة تعيد للجامعة هيبتها، وللعملية التعليمية استقرارها.
الجامعة الأردنية، عندما قررت إحالة الطلبة المتورطين في المشكلة الأخيرة إلى المجلس التأديبي، لم تتصرف بردّة فعل، بل قامت بدورها الطبيعي كجهة مسؤولة عن ضبط السلوك وضمان بيئة تعليمية آمنة وخالية من الفوضى أو العنف أو الاستقواء.
فالخلافات الشخصية أو الجماعية التي تتطوّر داخل الجامعة، وتخرج عن نطاق الاحترام والسلوك الحضاري، تُهدد الحرم الجامعي ككل، وتُشعر باقي الطلبة بعدم الأمان، وتُعطّل سير الدراسة. الجامعة ليست مكانًا لتصفية الحسابات أو فرض الهيمنة بين المجموعات، بل هي مكان لبناء الوعي والانضباط والاحترام المتبادل.
نعم، الطالب هو محور العملية التعليمية، وحقوقه محفوظة ومصانة، لكن حين يُسيء استخدام هذه الحقوق، أو ينخرط في سلوكيات تمسّ أمن الجامعة، فلا بد من مساءلته ومحاسبته، حفاظًا على الصالح العام.
القرارات التأديبية، مهما كانت قاسية في ظاهرها، هي رسائل واضحة بأن الجامعة لا تقبل العبث، ولا التساهل مع أي طرف يتجاوز الحدود. هي رسالة لباقي الطلبة أن النظام موجود، ويُطبق على الجميع دون تمييز، وأن من أراد أن يكون جزءًا من هذا الصرح، عليه أن يحترم قِيَمه.
ونحن كمجتمع، علينا أن نساند إدارة الجامعة الأردنية في موقفها الحازم، لأنها لا تحمي نفسها فقط، بل تحمي أبناءنا، وتوفّر بيئة يستحقونها للتعلّم والنمو والتفوق، لا بيئة صدامية تعيق طموحاتهم.
في الختام، لا يمكن أن نسمح أن تتحوّل الجامعات منارات علم إلى بؤر توتّر. الحزم في مثل هذه المواقف ليس خيارًا، بل ضرورة. ونحن مع كلّ خطوة تحفظ للجامعة الأردنية مكانتها، وللطالب قيمته، وللعلم رسالته.