هل تقارب الفجوة بين الجنسين إنجاز يُحسَب… أم خلل يهدّد الأسرة وسوق العمل؟

mainThumb
هل تقارب الفجوة بين الجنسين إنجاز يُحسَب… أم خلل يهدّد الأسرة وسوق العمل؟

29-10-2025 09:31 AM

printIcon

أخبار اليوم - تطرح نقاشات محلية قديمة جديدة سؤالًا حساسًا حول معنى تقارب الفجوة بين الجنسين في الأردن واتجاهها الفعلي: هل يمثّل ذلك تقدمًا طبيعيًا نحو عدالة الفرص، أم أنه مسار قد يقود إلى اختلالات اجتماعية واقتصادية إذا لم يُحاط بتشريعات متوازنة وإجراءات داعمة للأسرة؟ يدور الجدل حول المفهوم نفسه قبل نتائجه؛ فجزء من المتابعين يصرّ على التفريق بين “العدالة” و“المساواة”، معتبرًا أن الأولى تقوم على مراعاة الفروق في الأدوار والمسؤوليات والقدرات وتوزيع الحقوق تبعًا لذلك، بينما الثانية إذا طُبقت حرفيًا قد تنتج ظلمًا من نوع جديد عبر نسخ قوالب جاهزة لا تراعي خصوصية المجتمع. وفي المقابل، يرى آخرون أن المقصود في الجوهر هو تكافؤ الفرص: تعليم متاح، فرص توظيف غير مشروطة بالنوع الاجتماعي، أجر متساوٍ للعمل نفسه، حماية قانونية من التمييز، ثم يترك للمجتمع والأسر تنظيم حياتهم الداخلية وفق قناعاتهم، من دون إقصاء لأي طرف أو تمييز مسبق.

بين الموقفين، يتسع المجال لأسئلة عملية تتعلق بواقع سوق العمل وتكاليف المعيشة وشبكات الحماية الاجتماعية. هناك من يربط بين اتساع مشاركة النساء في قطاعات إدارية وخدمية وبين انكماش فرص الشباب الذكور في الفئات العمرية الأولى بالذات، وما يترتب على ذلك من تأخّر في تكوين الأسر وتزايد أعباء الزواج والسكن والإنفاق، ويضيف أن خروج الطرفين معًا إلى سوق عمل غير مهيأ بالكامل من حيث الحضانات الميسورة والدوام المرن والعمل الجزئي والنقل العام الفعّال يدفع ثمنه البيت أولًا، لأن نقص الخدمات المساندة يحمّل الأسرة كلفة وقتية ومادية لا تستطيع تحمّلها طويلًا. ويردّ الطرف الآخر بأن توسيع المشاركة الاقتصادية للنساء، حين يقترن بضمانات العمل اللائق وعدم التمييز في الأجر وفرص الترقي، يمكن أن يقوّي دخل الأسرة بدل إضعافه، وأن التحدي الحقيقي ليس في مشاركة المرأة بحد ذاتها بل في سوء تجهيز السوق من نواحٍ خدمية وتشريعية، وهي فجوات تمسّ الجنسين معًا ولا تُحلّ بإقصاء أحدهما.

تتفرع من هذا النقاش أسئلة أكثر تحديدًا من قبيل: ما الخط الفاصل بين تكافؤ الفرص وتماثل النتائج؟ ما الحد الذي ينبغي عنده مراجعة أي تمييز إيجابي حتى لا يتحول إلى فجوة مقلوبة دائمة؟ كيف يمكن مواءمة القوانين مع المرجعيات الدينية والثقافية من دون تحويلها إلى ذرائع لإغلاق الأبواب أمام نصف المجتمع أو لفرض أعباء غير عادلة على نصفه الآخر؟ وما الذي يتطلبه تطبيق عادل على الأرض حتى لا تبقى المساواة شعارًا يلمع في البيانات ويتعثر عند بوابات المدارس والجامعات والدوائر وأماكن العمل؟

اللافت أن أغلب النقاط المتعارضة تلتقي عند حاجة واحدة: بيانات علنية مفصّلة تُنشر دوريًا وتسمح بقياس الواقع بعيدًا عن الانطباعات. فالمطالبون بالحذر يريدون أرقامًا مقارنة حول معدلات التوظيف والأجور والفجوات بين القطاعات والعُمر والاختصاص، وأثر السياسات على مؤشرات الزواج والطلاق والخصوبة، بينما الداعون لترسيخ تكافؤ الفرص يرون أن هذه البيانات نفسها ستكشف مواقع الخلل الحقيقي: أين يُقصى المتقدمون والمتقدمات، وكيف توزّع ساعات العمل غير المدفوعة كالرعاية المنزلية، وأي خدمات عامة قادرة على إعادة التوازن من دون إنقاص حق لأحد.

وعلى خط الحلول الواقعية، تتكرر إشارات إلى أن المدخل الاجتماعي هو الذي يحسم. فحين تتوفر حضانات آمنة وميسورة، وإجازات والدين واضحة وعادلة، وأنماط دوام مرنة، ونقل عام منتظم، وأجور تحفظ الكرامة، يصبح حضور المرأة في سوق العمل عامل قوة للأسرة لا عبئًا عليها، ويصبح حضور الرجل في البيت للرعاية المشتركة سلوكًا طبيعيًا لا استثناءً موصومًا. وحين تُحكم قواعد المنافسة العادلة في التعيين والترقية ويُمنع التمييز الصريح والمستتر، يتراجع هاجس الإقصاء لدى الشباب ويغدو النقاش أقل حدّة وأكثر تركيزًا على الإنتاجية والمهارة بدل النوع الاجتماعي.

في نهاية المطاف، لا تقدّم الإجابات الجاهزة مخرجًا بقدر ما تقدّمه الإرادة العملية لتثبيت “العدالة” كإطار وتفريغ “المساواة” من شحنتها الشعاراتية وتحويلها إلى إجراءات قابلة للقياس والمساءلة. فإذا كان تقارب الفجوة بين الجنسين سيُقرأ إنجازًا، فلأنه انعكس تحسينًا ملموسًا في كرامة العيش للأسرة كلها لا لطرف دون الآخر، وإذا كان سيُقرأ خللًا، فحين يتبدّد في طريقه توازن البيت وتتصدع شبكة الأمان الاجتماعي. وحتى تتضح الإجابة، يبقى السؤال مفتوحًا: كيف نجعل تكافؤ الفرص قاعدة عادلة لا عنوانًا يعمّق الانقسام؟