أخبار اليوم - تحت سقف خيمة هشَّة يخترقها صفير الرياح من ثقوب تملؤها، غرق عبد الهادي صبح (70 عامًا) وأفراد عائلته بمياه الأمطار مع حلول أول منخفض جوي لخريف 2025.
قرب مكب نفايات اليرموك في قلب مدينة غزة؛ حيث المكان الغير مناسب لضعاف القلوب وأصحاب حاسة الشم القوية! وجد المسن صبح ملاذًا أخيرًا لعائلته المكونة من 14 فردًا. يفترشون جميعًا سطحًا مائلاً تبقى من مبنى خرساني دمرته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في خضَّم حرب الإبادة الجماعية.
تنحدر العائلة من بلدة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، وهي إحدى المناطق التي ألحق بها جيش الاحتلال دمارًا واسعًا إبَّان الحرب. "بيتنا كان مكون من 5 طوابق، صار الآن بمساواة الأرض." قال صبح قبل أن يمسح دموعه بيدين تملؤها التجاعيد.
وأضاف لـ "فلسطين أون لاين"، "مررنا بتجربة قاسية خلال الحرب. أجبرنا القصف الإسرائيلي العنيف على ترك منازلنا، ولم يعد بإمكاننا العودة إليها."
مع بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي امتدت سنتين، أمضى صبح وعائلته أيامها الطويلة نازحًا بين محافظات القطاع الساحلي، وتنقل بين جنوبه وشماله عدة مرات حتى استقر به الحال، مؤخرًا، بالقرب من مكب النفايات.
"عندما عدنا لم نجد أفضل من هذا المكان، فيما البرد يُجمِّد أطفالنا، والأمطار تغرقنا بينما النفايات تحيط بنا والآفات تفتك بأجسادنا." تابع صبح وهو يشير إلى كومة كبيرة من النفايات؛ حيث تنبعث الروائح الكريهة.
بينما كان المسن يواصل حديثه عن مأساة النزوح وتدمير منازل المدنيين، قاطعه أحد أحفاده، عبد الهادي، ويبلغ (19 عامًا)، وكشف عن ساقيه المليئتين بالجروح والندوب والأمراض الجلدية بسبب التلوث.
قال عبد الهادي وهو يحك جروحه بعنف حتى كادت الدماء تنزف منها: "نحن نريد الطعام والإيواء المناسبين، لقد أنهكتنا الأمراض، كما أننا نفتقد مواد النظافة الشخصية، وليس بإمكاننا شراؤها."
تحت سقف الخيمة المهترئة ذاتها، جلست مزيونة صبح (39 عامًا)، يحيط بها أبناؤها الأطفال. كانت تتأملهم بعينين دامعتين وبدت في حيرة من أمرها بعدما تفشت الأمراض الجلدية في أجسادهم وصارت عاجزة أمامهم، فيما ينتابها الكثير من الخوف عليهم بعدما فقدت اثنين من أبنائها جمال (14 عامًا)، وورود (عامًا واحدًا)، في قصف إسرائيلي.
قالت لـ"فلسطين أون لاين": "البيئة المحيطة بنا ملوثة، وأخشى على أطفالي من إصابتهم بأمراض خطيرة، حينها لا قدرة لدينا على علاجهم."
وأضافت: "من حقي وأطفالي أن نحظى بإيواء أفضل، نحن بحاجة إلى خيام جديدة وكرفانات تقينا حر الصيف وبرد الشتاء."
في القطاع الساحلي المدمر والمحاصر، يعيش أصحاب المنازل المدمرة للسنة الثالثة على التوالي في الخيام المنتشرة على قارعة الطريق، ولا يكاد شارع في أحياء ومحافظات غزة يخلو منها. أما بالنسبة للشاب سامح صيام لم يجد مأوى لعائلته، سوى تثبيت شادر صغير من النايلون، وقطع من القماش المهترئ بالقرب من مكب نفايات اليرموك، ليحمي بها زوجته وأطفاله الخمسة من البرد القارس.
أثناء حديثه مع "فلسطين أون لاين"، لوح بيده إلى أكوام النفايات قبل أن يقول: "هنا أصبحت حياتنا ولا مكان آخر نذهب إليه، هنا نموت ألف مرة في اليوم من البرد والروائح الكريهة والأمراض."
وهذا الشاب البالغ (35 عامًا)، كان يملك بيتًا متعدد الطوابق في حي التفاح، شرقي مدينة غزة، دمره جيش الاحتلال بشكل كامل. على إثر ذلك، أجبر وعائلته وأقاربه على تثبيت عدة خيام تفتقد لأدنى مقومات الحياة، وقد غرقت جميعها بمياه الأمطار.
أما والده، عبد الناصر صيام (58 عامًا)، وقف أمام خيمته حائرًا وهو ينظر إلى الثقوب التي تدلف منها الأمطار، وقال لـ"فلسطين أون لاين": "لم يعد بوسعنا التحمل أكثر، نريد مأوى مناسب، الحياة في الخيام وقرب النفايات خطر كبير على حياتنا."
ومكب نفايات اليرموك، يعد مكانًا مؤقتًا لجمع النفايات، لكن بسبب الحرب والمنع الإسرائيلي من الوصول إلى المكب الرئيسي في منطقة جحر الديك، شرق غزة، لم يعد بوسع بلدية غزة ترحيلها إلى تلك المنطقة، وقد تحول سوق فراس الشعبي إلى مجمع للنفايات على شكل تلال تفوق في علوها مبانٍ متعددة الطوابق.
وفي ظل استمرار الحصار الإسرائيلي وغياب الدعم الإنساني، يبقى مصير النازحين بالقرب من مكبات النفايات في مدينة غزة، مجهولاً مع انتشار الأمراض، وسط تحذيرات من إمكانية تفشي مرض خطير يعرف بـ"متلازمة غيلان باريه (GBS)" الناتج عن غياب النظافة وسوء التغذية، وفق ما كشفه مسؤول طبي، مؤخرًا، لـ"فلسطين أون لاين".
المصدر / فلسطين أون لاين