ترحيل العمالة المخالِفة: حماية لفرص الأردنيين أم قطعٌ لأرزاق الوافدين؟

mainThumb
ترحيل العمالة المخالِفة: حماية لفرص الأردنيين أم قطعٌ لأرزاق الوافدين؟

23-11-2025 03:34 PM

printIcon


أخبار اليوم - إعلان حملة لترحيل العمالة الوافدة التي لا تحمل تصاريح عمل أو تخالف شروط الإقامة أعاد فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في الأردن: من الأَولى بسوق العمل، ابن البلد الذي يواجه البطالة والديون، أم العامل الوافد الذي ترك أهله ليلحق بلقمة العيش في بلد لا يحمل جنسيته؟ 

وبين هذين الطرفين، يجد القرار نفسه في عين عاصفة نقاشية واسعة لا تتوقف عند حدود القانون، بل تمتد إلى الأخلاق والاقتصاد والعدالة الاجتماعية.

في جانب مؤيدي القرار، تظهر لهجة حاسمة: هذه البلاد لأبنائها أولاً، ومن حق الشاب الأردني أن يجد فرصة عمل في البناء، والمخابز، والحراسة، والزراعة، والقطاعات الخدمية قبل أن تُملأ هذه المهن بعمالة وافدة يتجاوز عددها – وفق تقديرات شعبية – ملايين العاملين. 

كثيرون يرون أن تنظيم سوق العمل وتأطير وجود العمالة غير المصرّح لها، خطوة ضرورية لوقف “الاستسهال” في تشغيل الوافد على حساب الأردني، ولإرسال رسالة واضحة بأن القوانين ليست للزينة.

 جزء من هذا التيار يربط بين فائض العمالة الوافدة وبين ارتفاع البطالة وتراجع الأجور، ويطالب بنموذج صارم يشبه بعض الدول التي حدّدت نسب تشغيل واضحة: أغلبية للمواطنين، وأقلية مدروسة للوافدين، مع رسوم وتصاريح وضوابط لا تسمح بالفوضى أو التستر أو التجارة بالتصاريح.

في المقابل، هناك تيار واسع لا يقل صراحة، يعتبر أن ترحيل العمالة المخالِفة بهذه الطريقة هو في الجوهر قطع لأرزاق مئات الآلاف من الأسر في دول عربية مجاورة، وأن المشكلة الحقيقية ليست في العامل الوافد بل في بنية سوق العمل الأردني نفسه. 

هؤلاء يذكّرون بأن كثيرًا من المهن الشاقة – من حمل الإسمنت والطوب إلى حفر القبور، ومن أعمال الدهان الشامل إلى تنظيف الأبنية والعمل في الأفران – لا يقبل بها إلا قلة من الشباب الأردني، بينما يتحملها الوافد لساعات طويلة وبأجر قد لا يغري ابن البلد على الاستمرار.

 يورد بعضهم قصصًا عن إنجاز شقق كاملة دهانًا وبلاطًا وصيانة في أيام قليلة بجهد عمال وافدين، مقابل تذمر متكرر من تجارب مع عمال محليين لا يصمدون في المهنة، أو يقطعون العمل بعد أيام قليلة ثم يشتكون ألم الظهر والتعب و“قلة القيمة” مقارنة بالشهادة أو التخصص.

وسط هذين الصوتين، يخرج رأي ثالث يحاول إعادة النقاش إلى مربّع أكثر هدوءًا: المشكلة ليست أن الوافد “سرق” رزق الأردني، ولا أن الأردني “كسول” بالضرورة، بل في غياب سياسة عمل متوازنة. 

هناك من يشير إلى أن جزءًا من الأزمة يبدأ من الفارق في الأجر والمعاملة؛ فالعامل الوافد في كثير من الحالات يحصل على أجر أعلى من ابن البلد على نفس المهنة، لأن صاحب العمل يثق بأنه سيبقى صامتًا، يعمل دون مطالبة مستمرة بالزيادات أو الإجازات، ولا يملك هامشًا كبيرًا للاعتراض أو لتغيير العمل. 

بالمقابل، يشعر الشاب الأردني أن ما يُعرض عليه من رواتب في الأعمال الشاقة لا يتناسب مع كلفة الحياة ولا يسمح له ببناء مستقبل، فيفضّل البطالة المقنّعة أو انتظار فرصة “أنظف” وأقل مشقة.

يطرح أصحاب هذا الرأي أسئلة عملية: لماذا لا يُعاد النظر في رسوم تصاريح العمل لتصبح أقل كلفة وأكثر شفافية بدلاً من دفع العامل ثمن الفساد أو السمسرة؟ 

لماذا لا تُفرض نسب تشغيل واضحة تلزم أصحاب المصالح بتشغيل نسبة عالية من الأردنيين مع تدريبهم وتأهيلهم، بدل الاكتفاء بشعار “ابن البلد لا يعمل”؟ 

ولماذا لا يُفتح نقاش جدي حول الحد الأدنى للأجور في المهن الشاقة، بحيث يصبح العمل فيها خيارًا ممكنًا للشباب، لا عقوبة اجتماعية أو صحية؟

البعد الإنساني حاضر بقوة في النقاش.

 كثير من الأصوات تستحضر معنى الغربة: عامل ترك زوجته وأطفاله، أو شاب جاء من بيئة فقيرة يبحث عن أي أجر يحفظ به كرامته، ويُذكّرون بأن الأردني عندما يغترب في دول أخرى، غالبًا ما يطالب بمعاملة كريمة وحقوق واضحة، وأن مبدأ “الإنسانية قبل الجنسية” يجب أن يبقى حاضرًا.

 في المقابل، يستحضر آخرون وضع الشاب الأردني العاطل عن العمل، المثقل بقروض وبطالة، والمتفرج على قطاعات كاملة تكاد تُدار بعمالة وافدة، بينما تُترك له الفتات أو المهن المكتبية المحدودة.

النقاش إذن أكبر من حملة تفتيش أو قرار إداري عابر.

 هو نقاش عن شكل الاقتصاد الذي يريده الأردنيون، وعن التوازن بين حماية حق المواطن في فرص عمل عادلة، والحفاظ في الوقت نفسه على كرامة العامل الوافد وحقه في أن يعيش من عرق جبينه دون ملاحقة أو شيطنة.

 وهو أيضًا سؤال عن جدية الدولة في محاربة التجارة بالتصاريح، وضبط مكاتب استقدام العمالة، ومحاسبة من يتستر على المخالفين ويستفيد منهم، لا عن تحميل الحلقة الأضعف وحدها ثمن الفوضى.

في النهاية، قد يخفّف أي قرار من أعداد المخالفين، لكنّه لن يعالج جذور الأزمة ما لم يُفتح ملف سوق العمل بكل صراحته: التعليم المهني، أجور الأعمال الشاقة، سياسات الاستقدام، ودور الحكومة في إيجاد معادلة عادلة بين الأردني الذي يبحث عن فرصة، والوافد الذي يبحث عن حياة كريمة. 

والسؤال الذي يبقى معلّقًا في ظل هذا الجدل كلّه: هل يكون الترحيل وحده جوابًا لأزمة البطالة، أم أننا أمام ملف يحتاج إلى شجاعة أعمق من مجرد تغيير أرقام الإقامات والتصاريح؟