اختفاء "الطبق الطائر" بين بيوت الأردنيين

mainThumb

28-01-2023 02:05 PM

printIcon

فاطمة الزهراء - لم يعد الصحن الطائر يقوم بجولته المعتادة بين بيوت الأردنيين مؤخرًا، فقد كان يتنقّل بين البيوت كل مساء وعلى أبعد تقدير كل يومين ليُزيِّن مائدة العائلة الأردنية بأشكال متنوعة لمختلف الأصناف، فكانت عادة طيبة تجتمع فيها قلوب الجيرة قبل أطباقهم، لتستشعر مع كل طارق على الباب يجود عليك بطبقٍ من وجبة يومه، ألفةً وترابطًا تلاشى زمانهما.

الحاجة صافية مغامس (65) عامًا، قالت إن عادة تبادل صحن من الأكلة مع الجار كانت من أجمل العادات "لو إنها شوربة عدس كنا لازم نطعم جارنا، كانت الناس إخوة ومترابطين بين بعضهم وكانت المودة والمحبة بينهم، الله كان يبارك في أكلهم وحياتهم، كانت هذه العادة لابد منها لأنه الناس فقيرة وتتفقد بعضها وتيسّر على بعض"
وعن هذه العادة في وقتنا الحاضر ذكرت الحاجة صافية أن الناس ابتعدت عن بعضها وألهتهم الحياة وظروفها الصعبة عن بعضهم ولم تعد علاقاتهم مثل السابق، مضيفةً أن بعض الناس ربما تنحرج أو تخاف أخذ أطباق من الآخرين "مع إني أحاول أبعث بالخفية لبعض الجيران الفقراء إلا إنهم ردّوني أكثر من مرة".

وقالت ليلى أحمد (54) عامًا، "أيام والدتي كنا دائمًا نبعث للجيران من الطبخة، روائح الطعام بتنتشر بسرعة ويمكن لطفل أن يشتهي هذه الأكلة وعندما يحضُرُ عنده صحن منها يفرح بذلك، هذه العادة حلوة كانت خصوصًا في رمضان، الناس كان عندها بركة في أكلها تزيد "عرام أرز" وتوزع على الجيران وتكسب أجر، فكانت طاولة رمضان تجد فيها وقت الأذان صنفين أو ثلاثة من جيرانك"
وذكرت عن هذه العادة وأحوال الناس اليوم، أن الأوضاع المادية للعائلات لم تعد تمنحها ترف التفكير في قسمة الجار، بل إن استطاعت العائلة تأمين قوت يومها فهي بألف نعمة، مضيفةً أن جيل اليوم كذلك لم يعد بالبساطة التي نشأ عليها الجيل السابق ولا يقبل طعامًا أُعدَّ من غير والدته "ولو جاءنا صحن من جيراننا الأولاد لا يأكلونه".

وفي هذا السياق ذكرت نجوى مناصرة (44) عامًا، "الأولاد لا يثقون بأي طعام يأتينا من الجيران إن لم نعرفهم حق المعرفة هذا الجيل لم يعش الأيام البسيطة القديمة"، مشيرةً إلى أن عادة تفقد الجيران بصحن من الأكلة انقرضت في دلالة على قلة الترابط بين الجيران "الآن جارك لا يرد عليك السلام ليبعثلك صحن أكل! مع إنه لا يبعث لك إلا الذي يحبك وأحب أن يكرمك"
وعن هذه العادة قديمًا قالت مناصرة أن الناس كانوا أقرب لبعضهم "كأنهم عائلة واحدة" لم يكن هناك تعقيد وتكلف في علاقاتهم ولم تكن تنحرج مما طبخت، وأن تبعث بطبق للجار فذلك يعزز حبك في قلبه قبل ملء معدته.

لظرف أو لتغير الناس وطباعهم، عادات تختفي تدريجيًا من مجتمعنا لتطوي فصلًا من البساطة والألفة بين الجيران وتبدأ آخر بنفحة من الرسمية والتعقيد تسود الأحياء.