طاهر

mainThumb

05-02-2024 01:43 AM

printIcon

عبدالهادي راجي المجالي
ذهبت لطاهر المصري, كي أقدم واجب العزاء.... في شقيقه.

واتفقنا أن نجلس على طاولة مستديرة ونشرب الشاي, ومن ثم نقوم بقلب المشهد إلى (معارضة), للعلم تطرقنا للحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية، وللبرد القارص.. وتطرقنا أيضا للحديث عن غزة, وانتهينا إلى نتيجة مفادها: ضرورة.. أن نبقى على اتصال دائم.

طاهر أسس نظرية في الأردن مهمة وهي: (البرجوازي الفقير)... أصلا لا يوجد في العالم العربي برجوازية حقيقية – إذا استثنينا مصر- يوجد طبقة رأس المال.. والبعض صار يسقط هذا اللفظ على كل من يمتلك المال.. وإذا عدنا إلى تعريف (كارل ماركس) للبرجوازية, فسنجد أن طاهر المصري... لا علاقة له بهذه الطبقة أبدا... بل على العكس هو أقرب لاتحاد (مصدري الخضار والفواكه) منه لهذه الطبقة.

ميزة طاهر أنه ظل يحاول الموازنة ما بين تاريخه في السياسي وما بين الشارع, لم ينسلخ لا عن الأحزاب ولا عن المعارضة.. وأيضا لم يدر وجهه للدولة, بل ظل وفيا لها... ونحن في لحظة لا نقبل الوسطية, ونفسر انفتاحنا على الاخر بأنه انقلاب على التاريخ أو الثوابت.. وهذا أخطر ما يواجهه السياسي.

هو أسس مبدأ (الرئيس الزاهد)... فمن الممكن أن تجد في منزله, رئيسا لجمعية تكفل أسر المصابين في حوادث السير, ومن الممكن أن تجد في منزله صاحب مطعم شاورما... تناول منه (ابو نشأت) سندويشة قبل (10) سنوات.. من الممكن أن تجد في منزله أيضا.. (ميكانيكي) جاء لتبديل (الكاوتشوك) الخاص بسيارة الرئيس.. والغريب أنك تجد (ابو نشأت) يحاوره.. ويستدرجه كي يبوح بكل ما لديه.

في الأردن نحتاج للزهد السياسي أكثر من التنظير, نحتاج لمن يستمع للناس حتى يكون رأيا يستطيع نقله لمراكز القرار... ونحتاج لم يفتح منزله, بذات الحجم الذي يفتح قلبه للبسطاء وللمواجع وللشكوى.

كم قريبة هي نابلس من فنجان قهوتك, ومن أطراف (النظارة) التي ترتديها.. كم قريبة هي, من السيجارة التي أخذتها من علبتي.. كي تتمرد على الأطباء والزمن والشيب, كم قريبة هي نابلس من حواف طاولتك, ومن (أزرار) القميص... ومن شجر الدار, وقطرات المطر.... قد تغيب الدنيا في منزل (ابو نشأت) لكن نابلس لا ترحل.. مقيمة في المكان وهي من تستقبل الناس وتصب على الروح من دفء زيتها.. بعض العشق.

لا يوجد مناسبة كي تكتب عن طاهر المصري, هو بحد ذاته مناسبة... هو الذي طوى العمر كي يؤسس منهج الزهد في السياسة والحياة... ويبقى الحلم قائما, أن نفيق ذات صباح ونرحل كلنا بدون متاع لجبال الخليل وجبال نابلس... ونكتب ما تبقى من كلام في الروح على ورق العنب وورق الزيتون, ونحاول بالرغم من العمر الذي مضى أن نجدد العشق... وأن نشطب كل الألم الذي ذقناه, وأن نعيد ذكر اسم فلسطين على اللسان.. ونشعر بطعم السكر حين يلفظ.

طاهر المصري زاهد في كل شي.. إلا فلسطين كان الثري في حبها.. ورصيده من العشق, بحجم الدنيا أو أكبر قليلا.

Abdelhadi18@yahoo.com