في غزة .. ملعقة سكر تُنقذ حياة

mainThumb
في غزة.. ملعقة سكر تُنقذ حياة

05-07-2025 09:27 AM

printIcon

أخبار اليوم - منذ تجدّد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مارس الماضي، يعيش مرضى السكّري سباقًا يوميًّا مع الموت. لم تعد الأدوية ولا المواد الغذائية الأساسية متوافرة، وعلى رأسها السكّر، الذي تحوّل من مادة غذائية شائعة إلى "منقذ حياة" نادر الوجود.

في أحد أحياء مدينة غزة الخانقة تحت نير الحرب، تقضي آلاء أبو حصيرة (36 عامًا) أيامها بين الخوف والتوتر. ابنتها ذات الـ12 عامًا تعاني السكّري منذ كانت في السادسة، لكن الحرب الأخيرة جعلت إدارة المرض شبه مستحيلة.

تقول آلاء: "كانت صدمة كبيرة حين اكتشفت إصابة ابنتي بالسكري، لكنني تأقلمت. كنت أجد إبر الإنسولين بسهولة وأراقب حالتها باستمرار. أما اليوم، فالأدوية مفقودة، والسكّر لا نقدر على شرائه."

منذ مارس، ومع إغلاق المعابر وتجدد حرب الإبادة، أصبح تأمين الإنسولين مهمة شاقة. وتضيف آلاء أنها اضطرت إلى تقليل جرعات ابنتها بسبب نفاد المخزون وغلاء الأسعار. لكنّ الأصعب، كما تقول، هو التعامل مع نوبات هبوط السكّر المفاجئة: "لا أنام ليلًا كما يفعل الناس، أقوم كل ساعة لأتفقد نبضها وتنفّسها. أحيانًا أستيقظ فأجدها تتعرق وجسدها بارد، فأهرع لإذابة ملعقة سكّر في كوب ماء، أو أعطيها القليل من مكمل غذائي، هذا ما توفره الحرب لنا."

تتابع بصوت مرتجف: "لا أجد لها حبة شوكولاتة، ولا قطعة حلوى، ولا حتى عصير أو ثمرة فاكهة تُغذّيها أو ترفع سكرها. كل شيء مفقود... وابنتي تخسر وزنها يومًا بعد يوم."

وتختم آلاء كلماتها بجملة تختصر وجع أم في غزة: "لا أستطيع حماية ابنتي من مرضها، وأُصاب بالرعب كل ليلة وأنا أراها تنطفئ ببطء، ولا أحد يستطيع مساعدتنا."

السكّر.. حياة لا رفاهية

تقول الحاجة أم نادر غزالي (65 عامًا): "في الهدنة كنت أشتري كيلو السكّر بخمسة شواقل، واليوم صار بـ320 شيقلًا، هذا إن وجدته أصلًا! نعيش خطر الهبوط يوميًّا، ولا نملك ما نوقف به الغيبوبة."

يعتمد مرضى السكّري على السكر أو مصادر سكرية سريعة لرفع نسبة السكر في الدم خلال النوبات الطارئة. ومع تجاوز سعر الكيلو حاجز 320 شيقلًا بفعل ندرة المعروض وإغلاق المعابر، صار تأمين السكر مستحيلًا.

تقول سعاد مشتهى (45 عامًا) من حي الشجاعية: "في مرة، لم يكن لديّ سكّر، ولا تمر، ولا عصير أطفال. شعرت بدوار وقشعريرة، ولم أجد في البيت شيئًا. ركض ابني يطلب من الجيران ملعقة سكّر. نحن نعيش في رعب دائم."

وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن 37% من الأدوية الأساسية قد نفدت تمامًا، و59% من المستهلكات الطبية مفقودة بالكامل، مما يُنذر بكارثة صحية تهدّد حياة أصحاب الأمراض المزمنة، وعلى رأسهم مرضى السكري وارتفاع الضغط.

ويعيش في قطاع غزة نحو 71 ألف مريض سكّري، من بين نحو 350 ألف مريض مزمن محرومين من الرعاية المستمرة، إلى جانب أكثر من 225 ألف مريض ضغط دم.

زبدة الفستق بدلًا من السكر

في ظل غياب مصادر السكر السريع، لجأ بعض المرضى إلى استخدام زبدة الفستق كمصدر بديل، وهي مكمل غذائي يُوزّع عادة على الأطفال المصابين بسوء التغذية من قبل منظمات الإغاثة.

لكن سعر العبوة الصغيرة قفز من شيقل واحد إلى 10 شواقل، ما جعلها خيارًا غير متاح للجميع.

تقول منى البيطار، والدة طفل مصاب بالسكري: "زبدة الفستق صارت شريان حياة، لكننا لا نستطيع شراءها يوميًا... كل نوبة سكري هي قنبلة موقوتة."

مع فقدان الأدوية، وغياب وسائل الوقاية، وارتفاع أسعار الأغذية الأساسية، تتفاقم معاناة مرضى السكّري في غزة يومًا بعد يوم. لم تعد ملعقة السكر رفاهية، بل صارت ذروة أمل لإنقاذ الأرواح في لحظات حرجة.

نداء وزارة الصحة واضح وصريح: الحالة وصلت إلى مستويات "خطيرة وغير مسبوقة".

وما يحتاجه مرضى السكّري اليوم، ليس فقط دواءً مفقودًا، بل أمنًا غذائيًا، وإنسانيًا، ونافذة صغيرة للأمل في وجه الحصار والموت.

المصدر / فلسطين أون لاين