محمَّد السُّلطان .. حين تجتمع كلَّ فصول المأساة في إنسان واحد وتنتهي بالشَّهادة

mainThumb
محمَّد السُّلطان... حين تجتمع كلَّ فصول المأساة في إنسان واحد وتنتهي بالشَّهادة

05-07-2025 10:10 AM

printIcon

أخبار اليوم - بين ركام الخيام المتناثرة غرب مدينة غزة، كانت رائحة الحزن تفوح من الأجساد المسجّاة، وهناك، تحت التراب، كان جسد نقيّ تفحّم بصمت، ليس لرقم جديد في سجل المجازر، بل لاسم يحمل في طيّاته قصة تختصر وجع شعب بأكمله.

إنه محمد السلطان، الشاب الذي اجتمعت عليه كل فصول المأساة، وكأن غزة أفرغت فيه كل أوجاعها: من قصف وحصار واعتقال، إلى نزوح، ثم شهادة.

ابن جباليا البلد، عاش محمد حياة بسيطة محفوفة بالصبر والقناعة. لم يعرف في طفولته معنى الفقد كما عرفه لاحقًا. فهذه الحرب وحدها جعلته يدفن والده وإخوته شهداء، واحدًا تلو الآخر، إثر غارات الاحتلال التي لم تُبقِ له بيتًا ولا مأمنًا.

كان محمد يعيش مع زوجته التي أحبها بصدق. تقول لـ"فلسطين": "كنا نعيش حياة سعيدة رغم قلة الإمكانات. كان راضيًا، يقسم لقمة الخبز ويبتسم. كان حنونًا، طيب القلب، نعم الزوج والإنسان. حلمه كان أن يرزقنا الله طفلًا نحمل اسمه، لكن قدر الله وما شاء فعل."

وفي خضم حرب الإبادة، اعتقل الاحتلال محمد أثناء توغلاته شرق جباليا. قضى عامًا كاملًا في سجون الاحتلال في ظروف قاسية، لكنها زادته إيمانًا وقوة.

يروي صديقه الأسير المحرر حمزة رضوان: "كان محمد رفيق الأسر ورفيق الليل المظلم. كان مؤنسنا في الوحشة، ينظم المسابقات القرآنية رغم قلة المصاحف، يتنازل عن حصته من الطعام دون أن يشعر أحد. كان قلبه أوسع من الزنزانة التي سُجن فيها."

ويضيف: "لم يتوقف عن رفع معنوياتنا. في الأسبوع الأخير من أسره، لم يتوقف عن توصيتنا بالأسرى، خرج محمد وكان كل شيء فينا يعود للحياة."

لكن فرحة الحرية لم تكتمل، فبعد أسابيع قليلة من الإفراج عنه، عاد القصف ليطارد محمد من جديد. نزح مع عائلته بعدما تحوّل منزله إلى ركام، حمل خيمته ومضى غربًا، يحلم بالأمان ولو تحت قماشٍ مهترئ.

تتابع زوجته: "كنا ننتظر بداية جديدة بعد خروجه من السجن، لكن الاحتلال لم يترك لنا شيئًا. رحل محمد بعد أشهر قليلة، في خيمة نزوح تحولت إلى قبر له ولعائلته. لم يبقَ لنا بيت، ولا زوج، ولا أمان."

في تلك الليلة، كانت خيمة محمد ملاذًا صغيرًا لعائلته. لكن صواريخ الحقد لا تفرّق بين بيت وخيمة. استُهدِف محمد وهو يحلم بالحياة، ليبقى جسده شاهدًا على حرب لا تحصد إلا الأرواح.

يقول صديقه حمزة، والدمع يخنق صوته: "محمد لم يكن صديقًا فقط، كان الأخ الذي يعيد النبض إلى قلبك إذا ضاقت بك الدنيا. لم نره يومًا غاضبًا رغم كل ما مرّ به. حتى وهو يودّع والده وإخوته شهيدًا تلو شهيد، كان يردد: الحمد لله، ما أعظم أجر الصابرين."

محمد السلطان لم يكن رقمًا في تقرير إحصائي. كان وجهًا من وجوه المذبحة المستمرة، وعنوانًا لحكاية لم تنتهِ بعد. شاب عاش الفقد، وذاق قسوة الأسر، وتهدم بيته، ونزح إلى خيمة لم تصمد أمام الريح، لكنه ظل راضيًا حتى اللحظة الأخيرة.

تقول زوجته، وقد غلبها الحنين: "كانت أمنيته أن يسمّي طفله على اسمه، واليوم اسمه على كل لسان. رحل محمد، لكن ذكراه لم ترحل. ستبقى دماؤه تروي ترابًا لن يجف، حتى يعود الحق لأهله."





المصدر / فلسطين أون لاين