صالح الشرّاب العبادي
الأردن ليس دولة عابرة على خارطة متغيرة، بل فكرة متجذّرة في الضمير العربي، حالة نادرة من التوازن حين يختلّ الإقليم، ومن الثبات حين تهتزّ العروش.
هو وطنٌ لم تُبنَ أركانه على فائض الثروات، بل على فائض الكرامة، ولم يتكئ على حماية الآخرين، بل على مناعة الذات وصلابة الإنسان.
هذا الوطن – الذي يضرب جذوره في خاصرة التاريخ – عرفناه كما نعرف أسمائنا، من السهل الممتدّ إلى الجبل المتشح بالكبرياء، من بواديه الصادقة إلى مدنه المعبّقة بنبض الشارع، من وجوه أطفاله إلى أيادي فلاحيه، من لهجة الجنود على الحدود، إلى تراتيل الأمهات في الصباحات الباردة.
وطنٌ تعلّم أن يصدّ العواصف وهو عارٍ من النفط، وأن يطعم اللاجئين وهو يقتسم اللقمة، وأن يبقى حيًا في زمن المقابر المفتوحة.
في الأردن، لا تُقاس القيم بالأرقام، ولا تُختزل الأوطان بمشاريع وهمية.
هنا، كل شجرة تحكي رواية صبر، وكل حجارة في الجنوب، وكل سهل في الشمال، وكل وادٍ في الوسط، هو شاهد على صفقات التاريخ التي رفضناها، وعلى الفواتير التي لم ندفعها، لأن الكرامة لا تُقسط.
هذا الوطن لم يكن يوماً ممرًا للأطماع، بل كان منقع الهوية العربية ، الهوية التي لا تقبل القسمة على اثنين ألا وهي ( الهوية الأردنية ) .
قبائل الوسط، حزام عمّان النابض، إلى الشمال الغنيّ بثقافته الممتدة من كنعان إلى اليوم، إلى الجنوب الذي تنضح تربته بالكرم والنبل، إلى الشرق الذي ما غابت عنه شمس الولاء، إلى الغرب الذي صقلته التحديات… كلهم صهروا اختلافهم في بوتقة واحدة: الوطن، الوطن، ثم الوطن.
نختلف في التفاصيل، نعم. ولكننا نتفق على الثوابت… على أن هذا التراب ليس سلعة، ولا بوابة للعبور، بل قسمٌ نردّده قبل أن ننطق أسماءنا.
وإذا كانت الأمم تُقاس بقادتها، فقد اختار هذا الشعب قيادته الهاشمية لا على أساس التاريخ فحسب، بل على أساس الميثاق:
ميثاق مكتوب بالدم، لا بالحبر؛ ميثاقٌ عُقد لا على ورق، بل في صدور الرجال.
ارتضينا بهم كما ارتضونا، وجعلنا من بيعتنا عهدًا لا ينكسر، وتعاهدنا أن يبقى هذا الوطن مصونًا، لا تُمسّ ثوابته، ولا تُلوى ذراعه، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولأن الأردن لا يتكل على شعارات، بل على أبناءه، فإن معركتنا اليوم ليست مع فقر، بل مع من يريد لهذا الوطن أن يشكّ بذاته.
وليست مع حصار جغرافي، بل مع حصار فكريّ وإعلاميّ ومعنوي، يريد للأردني أن يتعب، أن يشك، أن ينكفئ… لكننا نعرف الدرس:
أن الخطر الحقيقي ليس حين تجوع المعدة، بل حين تُفرغ العقول من الإيمان بالوطن.
أيها الأردني… لا تسمح لأحد أن يُعلّمك ما هو الوطن.
فأنت ابن الأرض التي صبرت، والأرض التي صدّت، والأرض التي ما باعت يومًا، ولن تبيع ،
وإن كان غيرنا قد ورث أرضًا او سلطةً او مالاً او بنى إمبراطوريته الاستثمارية على بطون الشعب الخاوي ، او جعل الوطن حقيبة سفر او اعتبر الوطن جواز سفر احمر .. او جنسية احتياط ..
فنحن ورثنا رسالة مقدسة ( الوطن الهوية )
والرسائل لا تموت…