ردًا على الزميل عبدالهادي راجي المجالي: البكم فات، نعم، لكن لا من هذا الاتجاه

mainThumb
ردًا على الزميل عبدالهادي راجي المجالي: البكم فات، نعم، لكن لا من هذا الاتجاه

16-07-2025 09:22 PM

printIcon

 

سهم محمد العبادي

يا زميلي العزيز عبدالهادي،
قرأتك كما تقرأ الراية على رأس السارية في معسكرات الجيش، واضحة، عالية، ترفرف بحرقة الوطن. وأعترف أن مقالك الأخير مرّ كالسهم، لكني أكتب لك اليوم لا لأعارض، بل لأدفعك لأن نُكمل الرؤية من الجهة الأخرى… الجهة التي فاته فيها البكم، نعم، لكن ليس من الباب الذي ظننته.

أنت سألت: من أنتج هؤلاء "النجوم"؟
أنا أقول: الذي أنتجهم هو الفراغ، لا الأمن، ولا السياسة... بل فراغنا، نحن، حين تركنا الميدان طواعية فاحتله المتسلقون.

البكم يا صديقي، لم يفتك وحدك، لقد فات الجميع.
لأنه لم يكن مجرد سيارة، بل كان خطة.
خطة ممنهجة لخلق طبقة هجينة، لا هي من المدرسة الأمنية الصلبة، ولا هي من وجدان السياسة النظيف، ولا من تراب القرى... طبقة تتكلم اللهجة الأردنية في النهار، وتوقّع على برامج التمويل في الليل.
طبقة ترى في الكرسي وظيفة، لا رسالة.
وفي المؤسسة فرصة تنفيع، لا شرف انتماء.

أنت قلت إن الأمني أنتج السياسي، وأنا أقول:
في مراحل تاريخية معيّنة، نعم، الأمني كان ضرورة وطنية، لأن الدولة كانت تواجه وجودها.
لكن ما بعد ذلك، حين استقرت الدولة، غاب السؤال الأهم:
من يصنع فكر الدولة؟

وصفي لم يكن من صنعة أحد، بل كان من نسيج دولة تعرف من أين تبدأ وإلى أين تصل.
لم يكن حالةً سياسيةً فقط، بل مشروعًا وطنيًا وقوميًا وعربيًا صريحًا.
كان الرجل الذي آمن بأن الأردن ليس ساحةً للصراع بين الخارج والداخل، بل مركز إشعاعٍ للأمة كلها.
وصفي لم يكن موظفًا عند الدولة، بل كان الدولة في لحظة صفائها.
كان إنتاجًا أردنيًا خالصًا، خرج من رحم الميدان لا من مكاتب التنفيعات، من صوت البنادق لا من صدى الفضائيات،
ومن قلب الوطن لا من أطرافه.
وصفي هو اللحظة التي كان فيها الأردني شريكًا في القرار لا تابعًا له، هو رجل الدولة الذي لم يكن بحاجة إلى حماية أحد، لأنه ببساطة كان حاميًا للجميع.

أما اليوم، فصار "الترقي" يتم وفق معادلات مقلوبة:
من يشتم أكثر، يتقدم أكثر.
من يتنكر لماضيه أسرع، يُكرَّم أسرع.
من يهاجم الشعب، يُصنَّف مثقفًا متنورًا.
من ينقلب على العشيرة، يُرفع فوق العشيرة.
ومن يبتسم لسفارة، يتلقى المنحة والمقعد والموقع.

أما أهل البكم، فقد تجاوزونا لأننا كنا نظن أن الطريق نحو الدولة يجب أن يكون عبر التعب والميدان والتدرج... وهم اعتقدوا أن الطريق هو الحرق والالتفاف والانقلاب على كل شيء.

الوجع ليس في أنهم صعدوا، بل في أن الصامتين منّا فتحوا لهم الطريق.
وفي أن مؤسساتنا التي بناها أهل الفلاحة والبادية، صارت ترحّب بمن يعبث بأخلاقها من الداخل.

زميلي أبو زود،
أعرف تمامًا ما تعنيه حين تتحدث عن "الجهات" التي أفرزت هؤلاء، لكنني أقول لك:

الأردن اليوم لا يحتاج أن نلعن فيه البكم،
بل أن نُعلن فيه أن "طريق الروفر" ما زالت مفتوحة،
وأن المؤسسة ما زالت بخير،
لكن تحتاج لرجال يرجعون، لا يهربون.

الخطر ليس في البكم، بل في الذي أغلق الإذاعة، وأطفأ صوت الميدان، وفتح باب الاستوديو للمتقلبين.

ولعلنا، إن قررنا العودة بوعي، لا نركب البكم،
بل نعيد هندسة الشارع كله،
بأخلاق وصفي، وصبر حابس، ونية البدوي الطيب.

"عنقر عقالك، ومردود عليهم النقا"