كل تعديل يفتح شهية الشائعات ويُعيد طرح نفس الأسماء، وكأن التغيير غاية بحد ذاته
المواطن الأردني لم يعد يثق إلا بما يرى على الأرض، وكتاب التكليف السامي هو ميزان المفاضلة بين القول والفعل
سهم محمد العبادي
منذ اللحظة التي تبدأ فيها شائعات التعديل الوزاري بالتسلل إلى الشارع، تتحول بعض الأسماء إلى ما يشبه الظل المرافق لكل موجة جديدة، فتبدأ بتسريب نفسها إلى جهات إعلامية أو صفحات تواصل اجتماعي، تارة باعتبارها "ضمن التشكيلة المؤكدة"، وتارة أخرى بوصفها "الأقرب إلى الدخول"، حتى يكاد المتابع يعتقد أن أسرار الدولة أصبحت متاحة لمن شاء، وأن بعضهم يملك مفاتيح الغرف المغلقة، ويُمسك بخيوط القرار وكأن الحكومة تُشكل من صالونه أو مجلسه الخاص.
في كل تعديل محتمل، يتكرر ذات المشهد: أسماء تظهر فجأة، وأخرى تُعاد ترويجها رغم أنها خرجت ولم يعد لها صدى، حتى بات التعديل أشبه بـ"موسم إعلامي"، أكثر منه محطة تقييمية جادة لمنجزات الحكومة أو أداء الوزراء. وهو ما يسيء – بشكل واضح – لمكانة الدولة وهيبة القرار، ويدفع إلى تساؤلات محرجة عن آلية اختيار المسؤولين: هل تتم على أساس الكفاءة؟ أم وفق توازنات جهوية ومناطقية؟ أم إرضاءً لهذه الجهة أو تلك؟
كتاب التكليف السامي: ميزان المواطن للمحاسبة والمقارنة
ينظر المواطن الأردني إلى كتاب التكليف السامي على أنه الوثيقة التي تُقاس بها الحكومات، ويُقارن من خلالها ما جاء في مضامينها وما تحقق على أرض الواقع. فالمواطن لم يعد يكتفي بالشعارات أو العناوين العريضة، بل يبحث في تفاصيل التنفيذ ويقارن بين الخُطب والإنجازات، بين الوعود والمشاريع، بين ما قيل وما طُبق.
ثقافة "الدخول والخروج".. بين عبث الشائعات وأثرها
لقد أصبح البعض يتقن لعبة الترويج لنفسه، ويجيد تقديم سيرته الذاتية في كواليس لا تمت للمؤسسية بشيء، ويستغل غياب المعلومة الرسمية لتصدير اسمه، أو نشره على قوائم "الداخلين" قبل أن يخرج القرار أصلاً. هذا العبث لا يُضر فقط بالمشهد العام، بل يُرسخ لفكرة أن المناصب لا تُمنح على أساس الجدارة، وإنما على قاعدة "من يسبق في التسريب".
والأخطر من ذلك، أن تداول الأسماء بهذه الطريقة يخلق حالة من الإرباك والتأزيم، ويُربك حتى عمل الحكومة نفسها، ويفتح المجال للمهاترات والاتهامات، ويُحول التعديل من محطة إصلاح إلى ساحة توقعات وفوضى.
الإنجاز هو المعيار الوحيد
نحن بحاجة اليوم إلى ثقافة تقييم وتطوير مستمر، لا تقتصر فقط على تبديل الأشخاص، بل تشمل تقييم السياسات، وأثرها، وجدواها. وفي هذا الإطار، فإن التعديل – إن حصل – يجب أن يكون خاضعًا لاعتبارات الكفاءة والنزاهة والخبرة، لا لأي ضغط شعبي عابر أو توافقات سطحية.
الشارع الأردني لا يريد أسماء جديدة، بقدر ما يريد حلولًا جديدة، ورؤى تنفيذية، ومشاريع ملموسة. لقد ملَّ الناس من التدوير والتكرار، ومن الأسماء التي تنتقل من وزارة إلى أخرى دون أي بصمة.
وأخيرًا… لا نريد تعديلًا "شكليًا" ولا "ترضويًا"
ربما يكون التعديل قاب قوسين أو أدنى، وربما لا، لكن ما نريده حقًا هو أن تكون كل حكومة قادرة على تقييم ذاتها، قبل أن تُقيَّم من الخارج. لا نريد حكومة ترضي الجميع، بل حكومة تُرضي ضميرها الوطني، وتخدم مشروع الدولة، وتحترم عقول الأردنيين.
أما من يُسرب نفسه، أو يُصدّر اسمه للناس عبر صفحات التواصل، فعليه أن يدرك أن الناس أصبحوا أكثر وعيًا، وأن الوزارات ليست حلبة شهرة، بل مسؤولية وطنية عظيمة، تُقاس بما تُحقق لا بما تُذاع عنه الشائعات.