أخبار اليوم - قال عضو غرفة صناعة عمّان، المهندس موسى الساكت إن الأردن لا يستطيع بناء مستقبل اقتصادي مستقر دون أن يكون الاستثمار في صلب الأولويات، مشيرًا إلى أن البيئة الاستثمارية في المملكة ما تزال غير قادرة على المنافسة إقليميًا، ما يستدعي إصلاحات جذرية تضع المستثمر في صلب السياسات الاقتصادية، لا على هامشها.
وأضاف أن الوقت لم يعد في صالحنا، فالمستثمرون لا ينتظرون، والدول من حولنا تتسابق على استقطاب رأس المال الذكي والجريء، ليس فقط لجني العوائد، بل لبناء اقتصادات حديثة قادرة على توليد فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة. ولفت إلى أن التجارب الإقليمية واضحة، فدول مثل الإمارات والسعودية وتركيا وحتى سلطنة عمان باتت محطات جذب استثماري مهمة، ليس لأنها فقط تملك الموقع الجغرافي، بل لأنها أنشأت بيئات اقتصادية تستند إلى بنية تحتية متقدمة، وإجراءات مؤتمتة، وضرائب واضحة، وكلف تشغيل مدروسة.
وأشار الساكت إلى أن الأردن يمتلك مقومات أساسية تؤهله ليكون مركزًا صناعيًا ولوجستيًا إقليميًا، لكن الواقع مختلف تمامًا، فالمستثمر في الأردن يصطدم بعقبات كثيرة تبدأ من البيروقراطية ولا تنتهي عند كلف الطاقة وتعدد الضرائب والتشريعات المتغيرة. وأكد أن هذه العوامل مجتمعة أفقدت الأردن الكثير من ميزاته النسبية، وجعلت المنافسة مع دول الجوار شبه مستحيلة ما لم يتم اتخاذ قرارات إصلاحية فورية.
وأوضح أن الحديث عن الموقع الجغرافي أو الكفاءات البشرية لم يعد كافيًا، ما لم يتم تحويل هذه الإمكانات إلى عناصر جذب فعلية من خلال إجراءات ملموسة، تبدأ بتخفيف الضرائب والرسوم، وخفض كلف التشغيل التي ترهق القطاعات الإنتاجية، وأتمتة كافة الإجراءات الحكومية بشكل كامل، وتقديم حوافز حقيقية مدروسة، بعيدًا عن الأساليب الورقية. كما دعا إلى إنشاء مناطق صناعية حرة بالقرب من المعابر الحدودية لتعظيم القيمة المضافة من الموقع الجغرافي، وتسهيل الإجراءات الجمركية والضريبية، والعمل على اجتذاب شركات الشحن والخدمات اللوجستية لتتخذ من الأردن مركزًا لعملياتها الإقليمية.
وبيّن الساكت أن البيئة الحالية تحتاج إلى إعادة هيكلة، تبدأ من الاعتراف بأننا فقدنا جاذبيتنا تدريجيًا لصالح دول أخرى سبقتنا بخطوات، من خلال قرارات سياسية واضحة. وقال إن الضرائب المرتفعة، وتعقيدات التراخيص، وغياب الشفافية في الإجراءات لا يمكن أن تبني بيئة استثمارية حقيقية، ولا يمكن الحديث عن استقطاب استثمارات جديدة دون تصحيح هذه المسارات.
وأكد أن المطلوب اليوم ليس أفكارًا نظرية أو دراسات جديدة، بل تنفيذ إصلاحات عملية على الأرض، تعيد الثقة للمستثمر المحلي أولًا، وتفتح الباب أمام رأس المال الأجنبي الذي لا يبحث إلا عن بيئة مستقرة وشفافة وقابلة للتوقع. وأشار إلى أن تحسين مناخ الأعمال لم يعد ترفًا أو بندًا في الاستراتيجيات التنموية، بل هو ركيزة أمن اقتصادي، وله أبعاد اجتماعية مباشرة من خلال خلق فرص العمل وتقليص الفجوة التنموية ورفع مستويات الإنتاج.
وختم الساكت بالقول إن الاستثمار هو قرار سياسي بامتياز، وأن تحريك عجلة النمو بحاجة إلى إرادة تنفيذية تضع الاستثمار كأولوية حقيقية لا شعاراتية، فالعالم لا ينتظر، والمستثمر كذلك، وإن لم نتحرك اليوم، فسنجد أنفسنا في مؤخرة الركب في منطقة تموج بالفرص. وإذا كنا نريد لأبنائنا وطنًا لا يغادرونه، فعلينا أن نجعل منه بيئة يُنتج فيها، لا يُهاجر منها. الزمن لا ينتظر.