مهندس محمد عناب
خبير في إدارة المشاريع الكبرى
تشكّل المشاريع الهندسية الكبرى في الاردن دعامة اساسية للتنمية الشاملة، واداة استراتيجية لتسريع النمو الاقتصادي وتعزيز البيئة الاستثمارية. ومع ازدياد الحاجة الى بنى تحتية متطورة وتوسع الطلب على الخدمات العامة، اصبحت هذه المشاريع ضرورة وطنية تتجاوز بعدها الخدمي لتؤدي دورا اقتصاديا واستثماريا بالغ الاهمية.
تعد المشاريع الكبرى رافعة فعالة لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، اذ تسهم في توليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مختلف القطاعات. مشاريع مثل الناقل الوطني لتحلية ونقل المياه، وتوسعة مطار الملكة علياء الدولي، وتطوير شبكة الطرق السريعة، تحرك سلسلة واسعة من الصناعات الداعمة كالبناء والنقل والتشغيل وتوفير فرص التنمية المستدامة بشراكات محلية وعالمية، وتوفر آلاف الوظائف التي تسهم في الحد من البطالة وتحفيز الطلب المحلي. الى جانب ذلك، تعزز هذه المشاريع من خبرات الكفاءات الوطنية في مجالات الهندسة والتخطيط وادارة المشاريع، ما يرفع من تنافسية السوق المحلية ويعزز دور الكوادر الاردنية في سوق العمل الاقليمي.
تعد البنية التحتية المتطورة احدى الركائز الرئيسية التي يبحث عنها المستثمرون عند اتخاذ قراراتهم، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والسياحة والخدمات اللوجستية. تسهم المشاريع الهندسية الكبرى في تحسين بيئة الاعمال عبر تقليص كلف النقل، وتوفير الطاقة والمياه بشكل مستقر، وربط المدن والمناطق الصناعية بشبكات حديثة تسهل عمليات الانتاج والتصدير. كما ان هذه المشاريع تعزز تصنيف الاردن في المؤشرات الدولية المتعلقة بالتنافسية وسهولة ممارسة الاعمال، وتفتح آفاقا جديدة امام الاستثمارات المحلية والاجنبية في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
غالبا ما تُنفذ المشاريع الهندسية الكبرى في الاردن بالتعاون مع مؤسسات تمويل دولية كالبنك الدولي، والبنك الاوروبي لاعادة الاعمار، والصندوق السعودي للتنمية، ما يعكس الثقة الدولية بالاقتصاد الاردني. وتوفر هذه الشراكات قنوات تمويل ميسرة، وتنقل التكنولوجيا والخبرات العالمية الى الداخل، وتدعم تطبيق معايير الحوكمة والشفافية. كما تتيح هذه المشاريع فرصا حقيقية للقطاع الخاص الاردني للمشاركة في التنفيذ والتشغيل، ما يعزز من دوره كشريك تنموي فاعل.
تأتي هذه المشاريع في سياق الاستجابة لتحديات ملحة تتعلق بالنمو السكاني، وشح الموارد، وتغير المناخ. فالمشاريع المتعلقة بتحلية المياه، والطاقة المتجددة، وادارة النفايات، تعكس تحولا استراتيجيا نحو الاستدامة، وتدعم قدرة المملكة على تلبية احتياجاتها المتزايدة بادوات تقنية واقتصادية حديثة.
وفي هذا الاطار، يبرز عدد من الافكار الابداعية التي يمكن ان تسهم في احداث نهضة اقتصادية مستدامة في الاردن، منها:
• انشاء مدينة صناعية ذكية تعتمد كليا على الطاقة الشمسية وتضم مصانع موجهة للتصدير نحو اوروبا وافريقيا.
• تطوير مشروع “الميناء البري الذكي” في منطقة الماضونة ليكون مركزا اقليميا لوجستيا يربط المشرق بالخليج والبحر المتوسط.
• انشاء مناطق اقتصادية متخصصة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتصميم الرقائق الالكترونية، تستقطب شركات عالمية وتوفر فرص عمل للمهندسين الاردنيين.
• اطلاق مشاريع ضخمة لاستصلاح الصحراء في الجنوب بالاعتماد على الزراعة العمودية والمياه المعالجة، ما يعزز الامن الغذائي ويوفر فرصا تصديرية جديدة.
• اقامة شبكة قطارات كهربائية تربط المدن الرئيسية بمناطق الانتاج والتجارة، بما يسهم في تقليل كلف النقل وتخفيف الضغط على الطرق.
ان المشاريع الهندسية الكبرى في الاردن لا تمثل مجرد استثمارات في بنية تحتية، بل تشكل بوابة نحو بناء اقتصاد حديث، وبيئة استثمارية جاذبة، ومجتمع اكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات الاقليمية والدولية